جورج أورويل -مزرعة الحيوانات Animal Farm -George Orwell

بسم الله الرحمن الرحيم
من روائع الأدب الإنكليزي
مزرعة الحيوانات للكاتب الإنكليزي جورج أورويل
د.عمار شرقية
” كل ثورة سرعان ما ترتدي ثوب الطاغية الذي خلعته ”
لو أراد شخص ما أن يقرأعملاً أدبياً و ذهب إلى إحدى المكتبات وقام باستعراض قائمة الكتب
الموجودة في تلك المكتبة فإنه لن يتوقف عند رواية تحمل مثل هذا العنوان لأنه عنوان لا يوحي
بأي شيء ولو تصفح ذلك الشخص هذه القصة سيجد أن شخصياتها مجرد مجموعة من حيوانات
المزرعة التي تتكلم و تتصرف على طريقة كليلة و دمنة وكما نعلم جميعاً فإن استتخدام الحيوانات
بهذه الطريقة هو أمر شائع في أدب الأطفال لكن هذه القصة بالرغم من بساطة أسلوبها لا يمكن أن
تكون قصة للأطفال بأي حال من الأحوال فوراء هذا العنوان البسيط ووراء أسلوب كتابتها العفوي
ثمة معان عميقة لا نجدها في كثير من الروايات الضخمة و المعقدة ، كما أن هذه القصة تخفي
وراء أسلوب عرضها الساخر إحساساً نافذاً بالمرارة و الأسى 0
لكن علينا أن نعترف بأن هذه القصة لم تلاقي الرواج الذي تستحقه و ذلك لسببين فالسبب الأول هو
عنوان هذه القصة و الذي لم يكن جورج أورويل موفقاً في اختياره أما السبب الثاني فهو كون
شخصيات القصة عبارة عن مجموعة من حيوانات المزرعة و استحالة تحويل هذه الشخصيات إلى
شخصيات بشرية وهو الأمر الذي جعل من تحويل هذه القصة إلى عمل سينمائي أمراً شديد
الصعوبة و قد سبق لي أن شاهدت هذه القصة على شكل فلم رسوم متحركة للكبار لكنه لم يكن
على مستوى هذه القصة نهائياً0
تدور أحداث هذه القصة في مزرعة موجودة في الريف الإنكليزي و هذه المزرعة تدعى
بمزرعة مانور و هي مزرعة يمتلكها مزارع مهمل و سكير ، و تبدأ أحداث هذه القصة في
إحدى الأمسيات بعد أن يخلد السيد جونز صاحب تلك المزرعة للنوم حيث تعقد الحيوانات
اجتماعاً سرياً لسماع العجوز ماجور و هو خنزبر عجوز من خنازير المزرعة و هو يحدثهم
عن الحلم الذي شاهده في ليلة سابقة ، و من بين الحيوانات التي أتت لسماع العجوز ماجور
كان هنالك الحصان بوكسر و هو حصان جر ضخم و قوي لا يتمتع بذكاء شديد لكنه مع ذلك
كائن محترم و ملتزم و كانت هنالك كذلك موريل المعزاة و الحمار بينجامين و هو حيوان ساخر
وبخلاف ما جرت عليه العادة فإن الحمار بينجامين هو أحد أذكى الحيوانات الموجودة في
المزرعة ، و الحمار بينجامين هو صديق حميم لحصان الجر بوكسر الذي ذكرناه سابقاً0
و يبدأ الخنزير العجوز ماجور اجتماعه قائلاً : يا أصحاب لقد سمعتم عن الحلم الغريب الذي
حلمت به في الليلة الماضية ، لكنني سآتي لاحقاً على ذكر ذلك الحلم فلدي أولاً شيئ آخر
لأخبركم به فأنا لا أعتقد بأنني سأبقى حياً بينكم لفترة طويلة و قبل أن أموت فإنني أشعر بأن
من واجبي أن أنقل لكم هذه الحكمة التي اكتسبتها طيلة حياتي الماضية 000 و الآن يا أصحاب
ما هي طبيعة الحياة التي نحياها ؟ دعونا نواجه الأمر إن حياتنا بائسة وشاقة و قصيرة 0
فبعد أن نأتي للحياة نعطى جزءاً يسيراً جداً من الطعام بالكاد يكفينا للبقاء على قيد الحياة و
الحيوانات القادرة على العمل منا تجبر على العمل الشاق حتى الرمق الأخير و عندما لا
تصبح منا فائدة فإننا نذبح بقسوة بالغة 0 لا يوجد في انكلترا كلها حيوان يعرف معنى السعادة
000 لا يوجد حيوان حر في انكلترا ، إن حياة الحيوان هي حياة عبودية و بؤس 000
ولكن هل يحدث هذا بشكل طبيعي لأن الخير الذي تنتجه أرض انكلترا لا يكفي للجميع ،كلا،”
و هنا يؤكد العجوز ماجور لبقية الحيوانات أن أرض انكلترا هي أرض خصبة قادرة على
إطعام أضعاف الأعداد الموجودة عليها من الحيوانات “إذاً لماذا يستمر هذا الحال المقيت
، يضيف ماجور العجوز، لأن ما ننتجه يسرق منا يا أصحاب هنا يكمن سبب كل مشكلاتنا
، إن المشكلة تتلخص في كلمة واحدة ، الإنسان ، الإنسان هو عدونا الحقيقي أزيلوا الإنسان
من الصورة و سيختفي سبب جوعنا و شقاؤنا إلى الأبد 000 الإنسان هو الكائن الوحيد الذي
يستهلك ولا ينتج 000 إذاً يا أصحاب فإن جميع شرور الحياة التي نعاني منها تنبع من طغيان
البشر ، فقط تخلصوا من الإنسان و سيكون نتاج عملنا كله خالصاً لنا تلك هي رسالتي لكم يا
أصحاب ، الثورة ، أنا لا أعرف متى ستحدث ، ربما خلال أسبوع أو بعد مائة عام ، لكنني
متأكد من وقوعها كما أرى هذا القش الموجود تحت قدمي بأنه عاجلاً أو آجلاً فإن العدالة
سوف تتحقق ” ، ثم يطلب ماجور العجوز منهم أن يمرروا رسالته للأجيال القادمة لأن
الأجيال القادمة هي التي ستنخوض الصراع حتى النصر ” و تذكروا يا أصحاب بأن عليكم
ألا تسمحوا لعزيمتكم أن تفتر و ألا تسمحوا لأحد بأن يضللكم و لا تنصتوا لمن يقول بأن هنالك
مصالح مشتركة تجمع بين الإنسان و الحيوان و بأن ازدهار أحدهما هو ازدهار للآخر فكل ما
يمشي على قدمين هو عدو و كل ما يمشي على أربعة أقدام أو له أجنحة فهو صديق 0″ ثم
يذكرهم بأن عليهم ألا يتشبهوا بالإنسان بعد الإنتصار و أن يتخلصوا من كل عاداته الشريرة
فلا يجوز لحيوان أن يعيش في منزل و لا أن ينام في سرير أو أن يرتدي الثياب ولا أن
يشرب الخمر ولا أن يدخن التبغ ولا أن يلمس المال أو يعمل في التجارة و فوق كل ذلك
لا يجوز لحيوان أن يطغى على الحيوانات الأخرى فكل الحيوانات متساوية كما لا يجوز
لحيوان أن يقتل حيوان آخر 0
لقد كان لخطاب ماجور العجوز تأثير كبير على الحيوانات الأكثر ذكاءً و كان على الخنازير
وهي الحيوانات الأكثر ذكاءً أن تأخذ على عاتقها مهمة شرح تعاليم ماجور العجوز
للحيوانات الأقل ذكاءً ، لكن أحداً من تلك الحيوانات لم يكن يعلم بأن الثورة التي تحدث
عنها ماجور العجوز كانت قاب قوسين أو أدنى0
ثم يقدم لنا جورج أورويل شخصيتين هامتين جداً في هذه القصة و هما الخنزير نابليون و
الخنزير سنوبول فنابليون قليل الكلام وذو شخصية عميقة أما سنوبول فهو محب للجدال و قد
قام كل من نابليون و سنوبول بالإضافة إلى خنزير ثالث هو سكويلار بصياغة أفكار ماجور
العجوز علة شكل دستور متكامل و مفصل من التعاليم التي أسموها ” الحيوانية ” ، و استمرت
اجتماعات الحيوانات بالانعقاد بشكل سري و كان على الخنازير أن تواجه كذلك تحدياً
فكرياً جديداً وهو أفكار الغراب موزوز التي كان ينشرها بين الحيوانات ، حيث كان هذا
الغراب يحدثهم عن عن بلاد بعيدة ستذهب إليها جميع الحيوانات بعد موتها و بأن تلك البلاد
هي بلاد راحة و استرخاء حيث أن جميع الأيام في تلك البلاد هي أيام عطلة و كان على
الخنازير كما ذكرنا سابقاً أن تقتع بقية الحيوانات بعدم وجود مثل تلك البلاد 0

لقد كان اليوم الموعود أقرب مما كانت تتخيل تلك الحيوانات ففي إحدى الأيام أهمل السيد
جونز إطعام بقراته و عندما لم تستطع تلك الأبقار احتمال الجوع اندفعت تلك الأبقار و
حطمت باب الزريبة و كانت تلك هي الشرارة الأولى للإنتفاضة على السيد جونز و التي
أدت إلى طرده مع رجاله من المزرعة شر طردة ، ” نعم إنها لهم ، كل شيء يستطيعون
رؤيته قد أصبح ملكاً لهم 000 و كأنهم لم يروا تلك الأشياء من قبل و حتى هذه اللحظة
فإنهم لم يستطيعوا تصديق أن المزرعة قد أصبحت لهم 0″
و أعقب هذا الحدث اتفاق الحيوانات على تحويل المنزل الذي كان يسكنه السيد جونز إلى
متحف ، حيث أن جميع الحيوانات كانت متفقة ً على انه لا يجوز لحيوان أن يسكن في ذلك
المكان البغيض و بالإضافة إلى ذلك فقد كشفت الخنازير لبقية الحيوانات أنها طوال الأشهر
الثلاثة الماضية كانت تتعلم القراءة و الكتابة و ذلك بالإستفادة من كتب أولاد السيد جونز
المدرسية لذلك فقد أزالوا اللافتة القديمة التي كتب عليها مزرعة مانور وو ضعوا مكانها
لافتةً جديدةً كتب عليها ” مزرعة الحيوانات ” كما استطاعت الخنازبر أن تلخص وصايا
ماجور العجوز في سبع نقاط رئيسية قاموا بنقشها على الجدار باعتبارها وصايا غير قابلة
للتعديل : كل مايمشي على قدمين هو عدو ، كل ما يمشي على أربعة أقدام و كل ما لديه
أجنحة فهو صديق ، لا يجوز لحيوان أن يرتدي الثياب ، لا يجوز لحيوان أن ينام في سرير
لا يجوز لحيوان أن يشرب الخمر ، لا يجوز لحيوان أن يقتل حيوان آخر ، جميع الحيوانات
متساوية 0
و الآن فقد أصبحوا أسياد أنفسهم فهم يستهلكون الطعام الذي ينتجونه ، كما أن لديهم الآن
الكثير من الطعام لأنه لم يعد هنالك من يسرقه منهم كما أصبح لديهم وقت فراغ طويل لأنه
لم يعد هنالك من يجبرهم على العمل بلا رحمة ، أما حصان الجر بوكسر فقد أصبح من أكثر
المتحمسين للوضع الجديد و أصبح العمل الشاق في المزرعة يقع على كاهله و كان يتحمل
ذلك عن طيب خاطر و خصوصاً أنه كان أقوى كائن في المزرعة ، أما الحمار بينجامين فلم
يتغير كثيراً فهو يقوم بالعمل ببطئ و صبر و عناد بذات الطريقة التي كان يعمل فيها في أيام
جونز و لم يكن يتطوع للقيام بأي من الأعمال الإضافية التطوعية و ذلك بخلاف صديقه
الحميم بوكسر 0
وضعت الخنازير رايةً لمزرعة الحيوانات كانت عبارةً عن قطعة قماش خضراء اللون
مرسوم عليها حوافر و قرون و كانت الحيوانات تجتمع صبيحة كل أحد لتحية هذه الراية
وكذلك فقد تعلمت معظم الحيوانات القراءة و الكتابة و كانت الخنازير من أبرع الحيوانات
في القراءة و الكتابة بالإضافة إلى الحمار بينجامين أما بوكسر فقد تعلم أربعة أحرف فقط
ولم يستطع أن يتعلم أي حرف آخر و كان يقوم بإعادة كتابة هذه الأحرف الأربعة بشكل دائم
حتى لا ينساها ، و من بين خنازير المزرعة لمع نجما خنزيرين همانابليون و سنوبول
حيث كان هذين الخنزيرين يتميزان بروح المبادءة و القيادة لكنهما كانا على خلاف دائم
فيما بينهما و لم يكن من السهل أن يتنازل أحدهما للآخر فقد كان كل منهما يتمسك برأيه
بعند شديد و حتى عندما كانا يتفقان على الخطوط العريضة كانا يختلفان على التفاصيل
فعلى سبيل المثال عندما تم الإتفاق على إقامة منتجع للحيوانات التي تخطت سن العمل كانا
يختلفان على السن الذي يجب أن يتقاعد فيه الحيوان عن العمل 0

الفصل الثالث من هذه القصة ينتهي بحدثين مهمين ، الأول هو قيام
نابليون بتربية مجموعة من الجراء في مكان منعزل و كأنه كان يعد تلك الجراء لمهمة
ما أما الحدث الثاني فهو قيام الخنازير بإدخال الحليب و التفاح إلى قائمة طعامها المعتادة
و هو الأمر الذي سارع الخنزير سكويلار وهو المتحدث الرسمي باسم الخنازير إلى
تبريره قائلاً : ” إنكم لا تتخيلون ، كما أتمنى , بأننا نحن معشر الخنازير نقوم بهذا الأمر
إنطلاقاً من روح الأنانية و التميز ، فالكثيرون منا فعلياً لا يحبون الحليب و التفاح وأنا
شخصياً لا أحبهما… نحن الخنازير نمارس العمل الفكري كما ان تنظيم و إدارة المزرعة
يقعان على عاتقنا بشكل كامل و نحن طوال الليل و النهار نقوم على رعاية مصالحكم لذلك
فإن من مصلحتكم أن نشرب الحليب و أن نأكل التفاح 0 هل تعلمون ماذا سيحدث لو
فشلنا في القيام بواجباتنا ؟ سيعود جونز … نعم سيعود جونز ” وبالطبع فإن أحداً من
الحيوانات لم يكن يرغب في عودة السيد جونز إلى المزرعة0

إن ما قامت به الحيوانات في هذه المزرعة قد بعث الرعب في قلوب أصحاب المزارع
المجاورة ، كما أن نشيد ” حيوانات انكلترا” كان ينتشر في المزارع المجاورة كما تنتشر
النار في الهشيم و كان سماع هذا النشيد كفيلاً بأن يبعث الر عب في قلوب بني البشر
” و عندما كانت الكائنات البشرية تسمع ذلك النشيد كانت ترتعش في قرارة نفسها من
الرعب حيث كان البشر يسمعون في هذا النشيد نبوءة شر عن مصيرهم المستقبلي ”

و في بداية شهر تشرين الأول حاول السيد جونز و رجاله مدعوماً من رجال المزارع
المجاورة إعادة الأمور إلى نصابهاو استعادة المزرعة ، لذلك فقد وقعت معركة دامية أبليت
الحيوانات فيها بلاءً حسناً حتى أن الحصان بوكسر قتل أحد المهاجمين و الحوار الآتي
يبين مدى عفوية بوكسر و مدى دموية الخنازير ” إنه ميت ، أجاب بوكسر بأسى ، لم تكن
لدي نية لفعل ذلك لقد غاب عن بالي أنني أرتدي حدوة معدنية ، من سيصدق أنني لم أقم بذلك
عمداً ” … لا مكان للعواطف يا أصحاب ، صرخ الخنزير سنوبول بينما كانت الدماء تسيل
من جروحه ، الحرب هي الحرب و الإنسان الوحيد الجيد هو الإنسان الميت ” … ” لكن لم
تكن لدي رغبة في أن أقتل أحداً حتى و لو كان إنساناً ، كرر بوكسر ، و عيناه غارقتان في
الدموع ” 0

و بعد انتهاء هذه المعركة تقرر منح الأوسمة للحصان بوكسر و للخنزير سنوبول كما تقرر
أن تكون كل من ذكرى طرد السيد جونز من المزرعة و ذكرى هذه المعركة أعياداً رسمية
وبالطبع فإن خبرانتصار الحيوانات في هذه المعركة قد و صل إلى الحيوانات في المزارع
المجاورة وهو الأمر الذي أعطى أملاً و دفعةً معنويةً قويةً لتلك الحيوانات .
و كما ذكرنا سابقاً فقد كان نابليون و سنوبول على خلاف دائم ، لذلك فقد كان
نابليون يتحين الفرص للتخلص من سنوبول و قد اتته الفرصة عندما كبرت الجراء التي
كان يربيها خلسةً ، حيث أنه أمر تلك الكلاب بتمزيق منافسه نابليون لكن ذلك الأخير
استطاع الهرب وكانت ذلك آخر ظهور له في هذه القصة ، كما أن نابليون أصبح يستخدم
تلك الكلاب كحرس شخصي يحيطون به بشكل دائم ، وبعد تخلص نابليون من منافسه
العنيد اعتلى المنصة محاطاً بكلابه و أملى قراره الأول على حيوانات المزرعة حيث
قرر إلغاء اجتماع صبيحة الأحد التشاوري مبرراً قراره بأن هذا الاجتماع مضيعة
للوقت وأن كافة المسائل المتعلقة بأعمال المزرعة ستحل في المستقبل بواسطة لجنة
خاصة مؤلفة من الخنازير ، لكن هذا القرار قد لا قى الإعتراض لذلك فقد انبرى
سكويلار و هو المتحدث الرسمي باسم الخنازير قائلاً ” يا أصحاب أنا أثق كل الثقة
بأن كل حيوان يقدر التضحية التي قام بها نابليون و ذلك عندما ألقى على عاتقه أعباء
إضافية ، لا تتخيلوا يا أصحاب أن القيادة متعة بل على العكس إنها مسؤولية ٌ ثقيلة ”
ثم ينتقل سكويلار للحديث عن سنوبول فيصفه بالمجرم فيقاطعه أحد الحيوانات بالقول
” لكنه قاتل بشجاعة في المعركة ” ، ” الشجاعة ليست كافية ، أجاب سكويلار ، الولاء
و الطاعة أكثر أهميةً … أما بالنسبة للمعركة فإنني أعتقد بأنه سيأتي اليوم الذي
سنكتشف فيه أن دور سنوبول في المعركة كان مبالغاً فيه ” ، و كعادته ينهي سكويلار
كلامه بالتحذير من عودة السيد جونز للمزرعة ” خطوة واحدة خاطئة و يتغلب علينا
أعداؤنا و بالتأكيد يا أصحاب فإنكم لا ترغبون في رجوع جونز مجدداً . ” و هنا يعلق
جورج أورويل ساخراً على هذا المقطع ” و بالتأكيد فإن الحيوانات لم تكن ترغب في
عودة السيد جونز ، فإذا كان عقد الاجتماعات التشاورية صبيحة أيام الأحد سيؤدي إلى
عودة جونز فإن من الواجب أن توقف تلك الإجتماعات التشاورية ”

و في الأسبوع الثالث الذي مر بعد طرد سنوبول أعلن نابليون عن البدء ببناء الطاحونة
الهوائية و التي كانت في الأساس إحدى أفكار سنوبول و طوال عام كامل عملت
الحيوانات كالعبيد في بناء الطاحونة لكنهم كانوا سعداء بعملهم و لم يوفروا جهداً ولم
يدخروا أي تضحية في سبيل بنائها لأنهم كانوا يشعرون بأن كل ذلك كان لأجلهم و في
صالحهم و أن جهدهم لن يسرق منهم من قبل حفنة من الكائنات البشرية الكسولة و
بالطبع فإن معظم العمل الشاق كان يقع على عاتق حصان الجر بوكسر ، والذي كان
يقوم به عن طيب خاطر ، ثم كان القرار المصيري الجديد الذي اتخذه نابليون متمثلاً
في دعوة أحد السماسرة من البشر كي يقوم بمقايضة منتجات المزرعة مع منتجات
البشر و بذلك فقد بدأت أول بوادر التعاون بين الخنازير و بين البشر ، كما أن
نابليون قد قرر بأن تتخذ الخنازير من منزل السيد جونز سكن لها كونها العقول المفكرة
التي تدير المزرعة و التي لم يعد من اللائق بها أن تسكن في الزرائب لذلك فقد بدأت
الخنازير تنام في الأسرة و كانت تلك من الخروقات لوصايا ماجور العجوز السبعة
وقد سبق ذلك تحريف للوصايا السبع حيث أضيفت عبارة ” مع بطانيات ” في آخر
الوصية التي تمنع الحيوانات من النوم في الأسرة ، كما صدرت أوامر أخرى تسمح
للخنازير بالإستيقاظ بعد ساعة من استيقاظ بقية الحيوانات 0
وبعد قرابة العام من العمل المضني في بناء الطاحونة هبت في إحدى الليالي عاصفةً
شديدة أدت إلى انهيار الطاحونة و على الفور أعلن نابليون مسؤولية سنوبول عن هذه
الفعلة الشنيعة ” هذا الخائن تسلل تحت جنح الظلام و دمر عملنا الذي استغرق قرابة
العام ، يا أصحاب ، من هنا أعلن الحكم بالموت على سنوبول … يا أصحاب هذا
الصباح سوف نبدأ في إعادة بناء الطاحونة الهوائية و سنبنيها طيلة الشتاء سواء أكان
الجو ماطراً أو صحواً ، سوف يعلم ذلك الخائن البائس بأنه لا يستطيع أن يدمر عملنا
بهذه السهولة … عاشت الطاحونة الهوائية …عاشت مزرعة الحيوانات .
وهكذا كان على حيوانات المزرعة أن تعيد بناء الطاحونة الهوائية في شتاء قارص
البرودة و هي تعلم أن العلم أجمع كان يراقبها عن كثب و أن الكائنات البشرية سوف
تبتهج بكل ما في الكلمة من معنى إذا لم تتمكن الحيوانات من تشييد الطاحونة ، وكذلك
فقد استمر نابليون في إطلاق الشائعات التي تتحدث عن نشاطات سنوبول الليلية المشبوهة
و السرية التي يقوم بها في المزرعة لذلك كانت كل مصيبة تقع في المزرعة تعزى إلى
نشاطاته المدمرة ، كما كانت تطلق الشائعات التي تتحدث عن علاقة سنوبول ببني البشر
و بأنه كان يمثل طابوراً خامساً لهم في المزرعة مع أن إقناع الحيوانات بهذا الأمر لم يكن
بالأمر الهين و خصوصاً أن سنوبول كان قد أبلى بلاءً حسناً في دفاعه عن المزرعة ضد
بني البشر ، لكن الخنازير تمكنت من إقناع بقية الحيوانات بأن ثمة وثائق سرية تؤكد تعامل
سنوبول مع بني البشر و بأن معركته معهم كانت مجرد تمثيلية حتى يصبح فوق مستوى
الشبهات …
” أنا لا أعتقد بأن سنوبول كان خائناً منذ البداية ” قال حصان الجر بوكسر
” ما فعله بعد ذلك كان شيئاً مختلفاً لكنني أعتقد بأنه في معركة زريبة البقر كان رفيقاً جيداً ”
” لكن قائدنا نابليون ” أعلن سكويلار ” قد أكد بشكل قاطع تماماً أن سنوبول كان عميلاً
لجونز منذ البداية ”
” آه ذلك أمر مختلف ” قال بوكسر ” إذا كان القائد نابليون قد قال ذلك فيجب أن يكون
ذلك صحيحاً ”
“… تلك هي الروح الحقيقية يا أصحاب ، صرخ سكويلار ، لكنه ألقى
نظرةً بشعةً جداً على بوكسر ثم تابع قائلاً ” أنا أدعو كل حيوان في هذه المزرعة لأن
يبقي عينيه مفتوحتين لأن لدينا من الأسباب ما يدعونا للإعتقاد بأن بعض عملاء سنوبول
السريون يكمنون بيننا في هذه اللحظة ”
, و بعد ذلك بأربعة أيام أمر نابليون حيوانات
المزرعة بالتجمع ثم بناءً على إيماءة منه قامت كلاب الحراسة بمهاجمة أربعة من خنازير
المزرعة ثم رمتها تحت قدميه ثم قامت ثلاثة من تلك الكلاب بمهاجمة حصان الجر بوكسر
لكن بوكسر تصدى بحوافره القوية للكلاب المهاجمة و طرحها أرضاً وهي تتلوى من الألم
” و نظر بوكسر إلى نابليون ليعلم ما إذا كان عليه أن يسحق الكلب أو أن يدعه و شأنه
لكن ملامح نابليون قد تغيرت ثم أمر بوكسر بحدة أن يدع الكلب و شأنه ” ثم أمر نابليون
الخنازير الأربعة أن تعترف بعلاقتها السرية مع سنوبول ففعلت ذلك دون تردد و الحقيقة
أن هذه الخنازير هي ذاتها الخنازير التي كانت قد اعترضت على قيام نابليون بإلغاء اجتماع
الأحد التشاوري ، وبعد قيامها بالاعتراف قامت الكلاب بالإجهاز عليها ، ثم أقدمت ثلاث
دجاجات على الاعتراف بأن سنوبول قد أتاهم في الحلم و أمرهم بعدم إطاعة نابليون و
كانت تلك الدجاجات قد اعترضت في وقت سابق على قيام نابليون بمقايضة بيضها مع
السماسرة ، و سرعان ما أجهزت عليها الكلاب كذلك 0
” و هكذا استمرت حكاية الاعترافات و الإعدامات إلى أن أصبحت هنالك كومة من الجثث
ملقاة أمام قدمي نابليون و إلى أن أصبح الجو مثقلاً برائحة الدماء و التي لم تعرفها الحيوانات
منذ أن طردت جونز ، وعندما انتهى كل ذلك ، فإن الحيوانات المتبقية باستثناء الكلاب
و الخنازير انسحبت مبتعدةً ، لقد كانت مصدومةً و بائسة و لم تعرف أي أمر كان الأكثر
تسبباً في الصدمة خيانة تلك الحيوانات التي تواطئت مع سنوبول أم العقاب الوحشي الذي
شهدوه للتو أما كلوفر فقد أغرورقت عيناها بالدموع ، لو كان باستطاعتها التعبير عن
أفكارها لقالت إن هذا لم يكن الأمر الذي سعوا لتحقيقه منذ عدة أعوام عندما عملوا على
الإطاحة بالجنس البشري ، و مشاهد الرعب و الذبح لم تكن الأمر الذي تطلعوا إليه في
الليلة التي دعاهم فيها ماجور العجوز للثورة ، لو كان لديها أي تصور للمستقبل في ذلك
الوقت لكان تصوراً لمجتمع من الحيوانات المتحررة من الجوع و السوط
حيوانات جميعها متساوية و يعمل كلٌ منها حسب طاقته ، القوي يحمي الضعيف …
لقد أتى الزمن الذي لم يعد يجرؤ فيه أيٌ منهم على البوح بما يجول في خاطره حيث كانت
الكلاب المزمجرة تجوب كل مكان ، الزمن الذي يتوجب عليك فيه أن ترى أصحابك
يمزقون شر ممزق أمام عينيك بعد اعترافهم بالقيام بجرائم فظيعة … كلا …ليس من
أجل هذا المصير قاموا ببناء الطاحونة و ليس من أجل هذا المصير و اجهوا طلقات
بنادق جونز ، تلك كانت أفكارها مع أنها لم تجد الكلمات التي تعبر فيها عن تلك الأفكار
و أخيراً شعرت بأن هذا قد يكون بديلاً بطريقة ما عن الكلمات التي لم تستطع أن
تعثر عليها وبدأت تغني نشيد حيوانات انكلترا ، ثم تحلقت بقية الحيوانات من حولها
و أنشدت الحيوانات مع كلوفر هذا النشيد ثلاث مرات بشكل شجي جداً ، لكن بنبرة
بطيئة و حزينة كما لم ينشدوه من قبل ” 0

لكن سكويلار سرعان ما فاجأهم بقرار نابليون بمنع هذا النشيد و برر ذلك قائلاً :
” لم تعد هنالك حاجة له يا أصحاب … فنشيد حيوانات انكلترا كان نشيد الثورة و
الثورة قد اكتملت الآن و إعدام الخونة عصر اليوم كان آخر فصول هذه الثورة
لقد انهزم أعداء الداخل و الخارج ، في نشيد حيوانات انكلترا كنا نعبر عن شوقنا
لمجتمع أفضل في القادم من الأيام ، لكن ذلك المجتمع قد تحقق و بالتالي لم يعد
هنالك أي داع لهذا النشيد 0″

وكما منع النشيد وكما حرفت الوصية التي تمنع الحيوانات من النوم في الأسرة
و من التعامل مع بني البشر فقد حرفت الوصية التي تمنع الحيوانات من قتل بعضها
البعض وذلك بإضافة عبارة ” دون سبب ” أمام الوصية التي تقول لا يجوز لحيوان
أن يقتل حيواناً آخر كما حرفت الوصية التي تمنع الحيوانات من شرب الخمر
فأصبحت ” لا يجوز لحيوان أن يشرب الكثير من الخمر ”
و كذلك فقد أضيفت للوصية التي تقول : جميع الحيوانات متساوية عبارة ” لكن بعض
الحيوانات أكثر مساواةً من الحيوانات الأخرى .

وبعد تلك الأحداث الرهيبة بفترة من الزمن أنهت الحيوانات بناءالطاحونة الهوائية
و احتفلت بإتمام هذا الانجاز العظيم لكن فرحتها لم تكتمل إذ أن بني البشر قد عاودوا
مهاجمة المزرعة و قاموا كذلك بنسف الطاحونة من أساساتها ” ولدى رؤية ذلك
المشهد استردت الحيوانات شجاعتها ، أما مشاعر اليأس فقد تلاشت في غمرة ثورتهم
ضد هذا العمل السافل ، ثم أطلقت الحيوانات صرخة ثأرعظيمة ودون انتظار أية أوامر
شنت الحيوانات هجوماً معاكساً على العدو ” فاندحر الأعداء عن أرض المزرعة 0

” لماذا يتم إطلاق النار ” قال بوكسر
” لكي نحتفل بانتصارنا ” صرخ سكويلار ، المتحدث الرسمي باسم الخنازير.
” أي انتصار ” قال حصان الجر بوكسر بينما كانت الدماء تسيل من جسده.
” أي نصر يا أصحاب ؟ ألم نطرد العدو من ترابنا ، تراب مزرعة الحيوانات المقدس؟
” لكنهم دمروا الطاحونة الهوائية التي استغرق بناؤها عامين كاملين ”
” و أي مشكلة في ذلك ؟ سوف نبني طاحونةً أخرى , لا بل سوف نبني ستة طواحين ”
” لكن بوكسر أدرك بأن عليه أن يبذل جهداً عظيماً في القادم من الأيام لكي يعيد بناء
الطاحونة من أساسها … ولأول مرة شعر بوكسر بأنه في الحادية عشرة من عمره
وبأن عضلاته القوية لم تعد كما كانت في السابق ”
وبالرغم من تنبيهات الحمار بينجامين و كلوفر المهرة له بألا يحمل نفسه ما لا يحتمل
فإنه أصر بعناد بأن أمنية حياته الوحيدة هي أن يرى الطاحونة و قد شيدت مجدداً0

وفي شهر نيسان أعلنت مزرعة الحيوانات جمهورية و أعلن نابليون نفسه رئيساً لتلك
الجمهورية 0

كانت صحة الحصان بوكسر تتدهور باستمرار و مع ذلك فقد كان لا يصغي لتنبيهات
بنجامين و كلوفر بشأن صحته و للأسف فإن توقعاتهما قد صدقت ، فقد انهار بوكسر
من الإجهاد أثناء قيامه بالعمل الشاق 0
جثت كلوفر على ركبتيها بجانبه ” بوكسر كيف حالك ؟ ”
” إنها رئتي ” أجاب بوكسر بصوت خافت ، ليس هنالك مشكلةٌ ، أعتقد بأنكم ستكونون
قادرين على إتمام بناء الطاحونة من دوني … بقي لي شهرٌ واحد كي أعيشه على كل
حال ، سأخبركم بالحقيقة ، لقد كنت أتطلع إلى تقاعدي و أعتقد ، بما أن بنجامين قد كبر
هو الآخر فإنهم سيسمحون له بالتقاعد في الوقت ذاته و بذلك سيكون رفيقي … لقد كان
بوكسر يتطلع للأيام الهادئة التي سوف يقضيها في زاوية المرج الواسع حيث سيكون
لديه الفراغ لأول مرة في حياته لكي يدرس و ينمي دماغه ، فلقد كان ينوي أن يكرس
بقية حياته لكي يتعلم الإثنين و العشرين حرفاً المتبقية من أحرف الأبجدية لكن
الحيوانات التي كانت منشغلةً بالعمل قد اندهشت عند رؤية الحمار بينجامين وهو يعدو
و ينهق بأعلى صوته ، لقد كانت المرة الأولى التي يرى فيها أي منهم بينجامين وهو
يعدو ” لقد أخذوا بوكسر ” صرخ بينجامين ودون أن تنتظر الحيوانات أية أوامر من
الخنازير تركت العمل و انطلقت لتستطلع الأمر ، حيث كانت هنلك عربة مغلقة كبيرة
يجرها حصانان بينما كانت حظيرة بوكسر خالية… تجمعت الحيوانات حول العربة
– وداعاُ بوكسر ، وداعاً بوكسر
– حمقى حمقى … صرخ بينجامين ، وهو يضرب الأرض بحوافره
– ألم تروا ماذا كتب على جانب العربة ؟
صمتت الحيوانات بعدما قاله بينجامين لبرهة من الوقت و بدأت مورييل بتهجئة الكلمات
المكتوبة على العربة ، لكن بينجامين دفعها جانباً ووسط ذهول و صمت بقية الحيوانات
قرأ : الفريد سيموند لذبح الخيول … ألا تعلمون ماذا يعني هذا؟ إنهم يأخذون بوكسر
إلى المسلخ … وفي هذه اللحظة تحركت العربة التي تحمل بوكسر و تبعتها الحيوانات
وهي تصرخ بأعلى صوتها وبدأت كلوفر بالصراخ : بوكسر.. بوكسر
وعندما سمع بوكسر صراخها رفع رأسه قليلاً …
– بوكسر … صرخت كلوفر بصوت مرعوب … بوكسر انزل … انزل بسرعة
إنهم يأخذونك إلى نهايتك … وبدأت بقية الحيوانات بترديد كلمات كلوفر..
” لقد فهم بوكسر ما قالته كلوفر لكن وجهه اختفى من نافذة العربة بعد لحظات من ذلك
و كان هنالك صوت قرع هائل لحوافر داخل العربة المغلقة ، لقد كان يحاول الخروج
من العربة … لقد كان بوكسر في الماضي قادراً على تحويل العربة إلى عيدان ثقاب
بعدة ضربات من حوافره القوية ، و لكن وللأسف لم تعد لديه القوة الآن…
و خلال بضعة دقائق بدأ صوت قرع الحوافر يخفت شيئاً فشيئاً ثم اختفى …
و في غمر يأسها بدأت حيوانات المزرعة ترجوا الخيول التي تجر العربة بأن تتوقف
– يا أصحاب لا تأخذوا أخيكم إلى حتفه … لكن تلك البهائم الغبية كانت أجهل من أن
تدرك ما يحدث … وجه بوكسر لم يظهر مجدداً من نافذة العربة ، و في وقت متأخر
جداً خطرت لأحد الحيوانات فكرة أن يتقدم على العربة و أن يغلق بوابة المزرعة لكن
خلال دقيقة عبرت العربة البوابة بسرعة و اختفت في الطريق و لم يرى بوكسر بعد ذلك”
لكن جورج أورويل يخبرنا لاحقاً بأن الخنازير قد حصلت على المال من مصدر مجهول
لشراء كمية إضافية من الويسكي 0

مزرعة الحيوان للكاتب الإنكليزي جورج أورويل
د.عمار شرقية

plant.kingdom1111@gmail.com

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.