دراسات أدبية : Emma – Jean Austen , Huckleberry Finn , Mark Twain الجريمة و العقاب , ديزي ميلر Daisy Miller , Henry James

بسم الله الرحمن الرحيم
دراسات أدبية : Emma – Jean Austen , Huckleberry Finn , Mark Twain
الجريمة و العقاب , ديزي ميلر Daisy Miller , Henry James
ترجمة عمار شرقية
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Emma – Jean Austen إيما – للكاتبة الإنكليزية جين أوستن
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
ولدت جين أوستن في العام 1775 في هامبشير Hampshire في عصر ما قبل السكة الحديدية pre-railway age في إنكلترا و كانت عائلة أوستن تتألف من ثمانية أولاد و كانت هي السابعة في الترتيب و مما لاشك فيه أن وجود أوستن في عائلة كبيرة العدد قد جعلها تهتم في أعمالها الأدبية بدراسة التفاعلات ما بين الأبناء و الآباء و تفاعلات الأبناء مع بعضهم البعض .
إن أعمال جين أوستن الأدبية كانت تقع في الريف الإنكليزي كما كانت تصور حياة الطبقة الوسطى من ساكني الريف ومن أشهر أعمالها الأدبية :
كبرياء و تحيز Pride and Prejudice
إحساس و حساسية Sense and Sensibility
منتزه مانسفيلد Mansfield Park
دير نورثنجر Northanger Abbey
ومن الخطأ اعتبارجين أوستن من كتاب العصر الفيكتوري Victorian writer كما أن من الخطأ اعتبارها من كتاب القرن الثامن عشر Eighteen-century writer فهي قد عاشت في القرن الثامن عشر لكن جميع كتاباتها قد نشرت في القرن التاسع عشر وهذا يعني أنها ليست من كتاب القرن الثامن عشر , كما أنها توفيت قبل أن تعتلي الملكة فكتوريا العرش بعشرين عاماً و ربما قبل أن تولد ( أي الملكة فيكتوريا) و باختصار شديد فإن جين أوستن هي من كتاب العصر الجورجي Georgian writer و ذلك نسبة إلى الملك جورج الثالث .
لقد عاشت جين أوستن خلال مرحلة الحرب بين فرنسا و إنكلترا كما أنها كتبت رواية إيما بعد بضعة أشهر فقط من معركة واترلو The Battle of Waterloo , كما أنها قد عاصرت شعراء الحركة الرومانسية الكبار في إنكلترا .
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Emma – Jean Austen إيما – جين أوستن
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
إذا أردت أن تقرأ رواية طويلة جداً و خاليةً من الأحداث فاقرأ هذه الرواية مع أنني أشك في أن هنالك من قرأ هذه الرواية في عصرنا الحالي لمجرد المتعة الأدبية حيث لا يقرأ مثل هذه الروايات سوى الطلاب المجبرين على القراءة و النقاد الذين يعتاشون على قراءة ودراسة الأعمال الأدبية .
الشخصية الرئيسية في هذه الرواية هي إيما وودهاوس Emma Woodhouse وهي بالطبع بطلة الرواية و كانت والدة إيما قد توفيت منذ زمن بعيد لذلك فإن مسئولية العناية بها قد وقعت على كاهل مربيتها الآنسة تيلور Miss Taylor التي تزوجت لاحقاً من السيد ويستون Mr. Weston .
شقيقة إيما متزوجة و تعيش في لندن و شقيق زوجها الأكبر يدعى السيد نايتلي Mr.Knightley
وهو رجل أعزب .
في الفصل الأول نرى والد إيما السيد وودهاوس يبدي أسفه لزواج الآنسة تيلور ( مربية إيما ) لكن إيما كانت ترى بأن الزواج هو ضمان للمستقبل .
فرانك تشرشل Churchill Frank هو ابن ويستون زوج الآنسة تايلور , لكن عائلة تشرشل الثرية قد تبنته سابقاً و غيرت اسمه .
تقرر إيما أن تضع هاريت Harriet تحت رعايتها و هاريت هذه فتاة مجهولة الأبوين في السابعة عشرة من عمرها و تعلم إيما بأن هنالك مزارع شاب يدعى روبرت مارتن Robert Martin واقع في غرام هاريت .
ويطلب روبرت مارتن يد هاريت للزواج لكن إيما تقنعها بأن ترفض الزواج منه كما تقنعها بأن إيلتون واقع في غرامها , لكن تدخل إيما في شؤون هاريت هذه المرة لم يكن في صالحها ذلك أن إيلتون كان لا يهتم بهاريت .
وعندما يعلم نايتلي بأن هاريت قد اقتنعت بأفكار إيما و رفضت الزواج من روبرت مارتن فإنه يغضب منها ومن تدخلها في شؤون الآخرين و يصر بأن مارتن مناسب تماماً لهاريت و بأن إيلتون ابن الطبقة العليا و ذو النسب الرفيع لن يتزوج من فتاة مجهولة الأبوين و النسب و ليس عندها مهر ( كانت الفتاة هي التي تدفع المهر عندهم ) .
و هكذا نرى بأن نايتلي يمثل الواقعية و المنطق بخلاف إيما ذات الأفكار الحالمة غير الواقعية .
في الفصل التاسع جون نايتلي John Knightlly مع شقيقة إيما ( إيزابيلا ) Isabella و أولادهم الخمسة يزورون هارتفيلد Hartfield في عطلة عيد الميلاد , وفي الفصل العاشر تناقش إيما موضوع الزواج مع هاريت و تعلن بأنها لا تفكر في الزواج .
جون نايتلي يخبر إيما بأن إيلتون Elton مهتم بها لكنها لا تقتنع بهذا الأمر .
إن نايتلي يمثل في هذه الرواية صوت العقل و المنطق , لكن إيما ترفض الاقتناع بأن إيلتون مهتم بها لأن قبولها لهذه الفكرة يعني بأن أفكارها كلها كانت خاطئة .
وفي الفصل الرابع عشر يتضح لنا بأن إيما كانت ترى بأن فرانك تشرشل مناسب لها من حيث العمر و الشخصية و المكانة الإجتماعية , وفي الفصل الخامس عشر يطلب إيلتون يد إيما للزواج و عندما تخبره بأنها كانت تعتقد بأنه كان يفكر في الزواج من هاريت يخبرها بأنه لم يفكر يوماً في الزواج من هاريت و بذلك يتأكد لإيما بأن أفكارها السابقة بشأن إيلتون و هاريت كانت خاطئة لذلك بدأت إيما تلوم نفسها على إقناعها هاريت بأن إيلتون واقع في غرامها .
نايتلي يخبر إيما بأن فرانك تشرشل لا يكن الكثير من الاحترام لوالده لكن إيما تدافع عن فرانك و مرة أخرى نجد بأن إيما تتسرع في إطلاق الأحكام دون أن تتأمل في الأسباب الموضوعية لأن فرانك تشرشل يستحق الانتقاد أما دفاع إيما عنه فكان ينطلق من إعجابها به .
في الفصل التاسع عشر تعتقد إيما بأن جين فير فاكس Jane Fairfax واقعة في غرام ديكسون Dixon و أنها قد أصيبت بصدمة عند زواجه من الآنسة كامبل Miss.Campbell .
إن دور الفتاة اليتيمة جين فيرفاكس يتمثل في أن تكون خصماً و عدواً لإيما .
في الفصل الثالث و العشرين إيما تقابل فرانك تشرشيل و تجده شاباً وسيماً لذلك تقرر بأن تحبه دون أن تكترث لأخلاقه و شخصيته .
في الفصل السادس و العشرين تتلقى جين فايرفاكس Jane Fairfax هدية عبارة عن بيانو من شخص مجهول و في هذا الفصل يواصل فرانك تشرشل إنتقاده لمظهر جين فيرفاكس .
إيما الآن أصبحت مقتنعة بأن فرانك تشرشل واقع في غرامها , لكن الواقع أن فرانك تشرشل يستخدم علاقته الظاهرية مع إيما لإخفاء اهتمامه الحقيقي بجين فيرفاكس لذلك فإن موقف إيما في هذه الرواية يشبه المواقف التي نجدها بمسرحيات كوميديا الخطأ Comedy of errors التي يسيء فيها أبطال تلك الأعمال المسرحية تقديرهم للظروف و يطلقون أحكاماً متسرعة و خاطئة .
و بالرغم من أن إيما كانت معجبة بفرانك تشرشل و بالرغم من أنها كانت مقتنعةً بأنه واقع في غرامها فقد كانت لا تفكر في الزواج منه كما أنها كانت تنوي أن ترفضه في حال طلب يدها كما كانت تفكر في توجيهه ناحية هاريت , ومرةً أخرة تخطئ إيما في تقدير الظروف فهي تعتقد بأن فرانك واقع في غرامها كما أنها لاتنتبه إلى أنه واقع في غرام جين فيرفاكس .
في الفصل 23 إيما تقابل آل إيلتون ( عائلة إيلتون ) The Eltons و ترى بأن السيدة إيلتون Mrs. Elton إمرأة سوقية فظة .
إن السيدة إيلتون تمثل في هذه الرواية الأشخاص محدثي النعمة الذين يمتلكون المال و يقيسون كل شيء بالمال لكنهم يفتقدون الرقي و الذوق و الأدب .
لقد تزوجت السيدة إيلتون من رجل دين حتى تتمكن من الاختلاط مع سيدات الطبقات العليا حيث أن رجال الدين يحظون بمكانة مرموقة في المجتمعات الأوروبية .
السيد نايتلي يخبر إيما في الفصل 33 بأنه لا يفكر في الزواج من جين فيرفاكس كما تظن و هذا هو الخطأ الذي تقع فيه إيما بشكل دائم فبمجرد حصولها على أية معلومات تسارع إلى إستنباط نتيجة خاطئة من تلك المعلومات .
في الفصل 38 يرفض إيلتون الرقص مع هاريت لذلك يسارع نايتلي لإنقاذ هاريت من ذلك الموقف المهين و يرقص معها و يندرج تصرف إيلتون هذا تحت مايدعى بالبطولة المصطنعة أو البطولة المثيرة للسخرية mock-heroic وتتمثل في استعراض الشهامة في مواقف سخيفة
بعد أن رفض إيلتون الرقص مع هاريت تخبر هاريت إيمي بأنها لن تفكر بعد اليوم في الزواج منه و أنها تفكر حالياً في شخص آخر وفي الحال تتصور إيما بأن ذلك الشخص هو فرانك تشرشل Frank Churchill ولا يخطر لإيما أبداً أن تفكر في أن ذلك الشخص قد يكون نايتلي الذي أنقذ هاريت من ذلك الموقف المحرج لأن إيما بشكل لا شعوري تتصور أن نايتلي يخصها ولايمكن لأحد غيرها أن يفكر فيه ولايمكن له أن يفكر في فتاة أخرى .
في الفصل 41 يظهر فرانك تشرشل المزيد من الاهتمام بإيما لكن نايتلي يخبر إيما بأن ذلك لم يكن أكثر من مناورة يقوم بها فرانك لإخفاء إعجابه بجين لكن إيما ترفض تصديق ذلك .
في الفصل 42 إيما تشعر بالغيرة عندما ترى نايتلي وهاريت سوياً وهما يتبادلان الحديث .
في الفصل 43 فرانك تشرشل يتمنى أن تجد له إيما عروساً ذات عيون بنية , وفي البداية تعتقد إيما بأنه يقصد هاريت , لكن عيون هاريت ليست بنية اللون بخلاف عيون إيما ذات اللون البني
في الفصل 45 تموت السيدة تشرشل بشكل مفاجئ .
في الفصل 47 تكتشف إيما بأن هاريت كانت واقعة في غرام نايتلي و في تلك اللحظة تكتشف إيما بأنها هي الأخرى واقعة في غرام نايتلي بشكل لا شعوري منذ مدة طويلة وبأن اللوم يقع عليها وحدها لأنها جعلت هاريت تفكر في نايتلي كما هي عادتها حيث كانت تحاول بشكل دائم اللعب في مصير الأشخاص المحيطين بها عن طريق ترتيب الزيجات بشتى الوسائل .
في الفصل 49 نايتلي يصارح إيما بحبه و يعرض عليها الزواج و تقبل إيما الزواج منه و تكتب لاحقاً رسالة إلى هاريت سميث Harriet Smith تخبرها فيها بمشروع زواجها من نايتلي .
إن الرسائل التي يتم تبادلها في اعمال جين أوستن تذكرنا بالروايات الخطابية epistolary novels وهي الروايات التي تتكون من خطابات يتم تبادلها بين أبطال الرواية وهذا الأسلوب في كتابة الرواية كان سائداً في القرن الثامن عشر .
في الفصل 51 تخبر إيما نايتلي بأنها لا تستطيع أن تغادر هارتفيلد Hart field و تترك والدها لذلك يخبرها نايتلي بأنه يفكر بشكل جدي في الإنتقال للعيش في هارتفيلد .
و يخبر نايتلي إيما بأن هاريت سميث ستتزوج روبرت مارتن فتشعر إيما بالإرتياح لذلك وبعد شهر من زفاف هاريت و روبرت مارتن تتزوج إيما من نايتلي و تنتهي الرواية كما هي حال جميع روايات جين أوستن بقرع أجراس العرس .
إن رواية إيما تدور حول موضوع الزواج و لاتحوي أية أحداث هامة فأخطر تساؤل يطرح في هذه الرواية هو من أرسل الهدية إلى جين فيرفاكس أو لم اتجهت جين إلى مكتب البريد تحت المطر .
أما شخصية بطلةهذه الرواية فإنها تمثل فتاة سطحية تحاول أن تتلاعب بالآخرين و بعواطفهم و تتخذ من جين عدوة فقط لأنها فتاة جميلة و صغيرة و مثقفة و عندما يوضع شخص ما تحت وصايتها فإنها تجعل من مصيره ألعوبة في يدها كما حدث مع هاريت سميث , كما أنها تستمر في ارتكاب الخطأ تلو الآخر دون أن تتعلم من أخطائها , فهي نوع من البشر لا يتعلم من أخطائه و يحتاج إلى من يطلعه على الصواب و الخطأ في كل مرة إلى مالا نهاية .
لقد تزامن ظهور رواية إيما مع نشر قصائد شعراء إنكلترا الرومانسيين الكبار مثل ووردسوورث و كوليريدج و سكوت و بايرون , لكن جين أوستن قد هاجمت الخيال في روايتها هذه ( الخيال الذي يمجده الشعراء الرومانسيين) و بينت عبر شخصية إيما كيف يمكن أن يقود الخيال غير المحكوم بالعقل و المنطق الإنسان إلى كواراث تصيبه و تصيب من حوله .
لقد كانت إيما لاترى مايجب أن تراه وما هو ماثل فعلياً أمام عينيها لكنها كانت ترى ما تتمنى حدوثه و كأنه حقيقة واقعة فقد كانت تتخيل بأن هاريت سميث الفتاة المجهولة النسب ماهي إلا ابنة أشخاص ذوي نسب رفيع لذلك فقد أقنعتها بأن ترفض الزواج من المزارع الشاب الذي تقدم لخطبتها , كما أنها كانت تعتقد بأن إيلتون يفكر بالزواج من هاريت في الوقت الذي كان هذا الأخير يفكر فيها , كما كانت تعتقد بأن هاريت معجبة بفرانك تشرشل في الوقت الذي كانت فيه هاريت تفكر بنايتلي , كما كانت تعتقد بأن جين فيرفاكس كانت تسعى وراء ديكسون في الوقت الذي كانت فيه جين على علاقة بفرانك و الأكثر من ذلك كله أنها لم تكن تعرف بأنها بشكل لا شعوري كانت معجبة بنايتلي .
ومن الناحية الإجتماعية فإن جميع الشخصيات في رواية إيما تنتمي للطبقة الوسطى middle class و كذلك فإن شخصيات هذا العمل الروائي تقسم إلى شخصيات مستقرة إجتماعياً و مالياً مثل نايتلي و وودهاوس والد إيما و شخصيات غير مستقرة إجتماعياً ومالياً مثل هاريت سميث و جين فيرفاكس , فعلى سبيل المثال نجد أن هاريت مجهولة النسب كما أنها لا تمتلك أية ثروة .
لقد حاولت إيما بدايةً أن تزوج هاريت لإيلتون و بعد ذلك طمحت إلى تزويجها من الثري فرانك تشرشل , لكن هاريت تزوجت في النهاية من روبرت مارتن .
وفي الوقت الذي أخفقت فيه إيما في تزويج هاريت من شخص يفوقها في المكانة الإجتماعية فإن جين فيرفاكس قد تمكنت من تحقيق هذا الأمر .
ومن الناحية البنيوية فإن هذه الرواية تتألف من بداية ووسط و خاتمة كما هي حال الأعمال الأدبية الكلاسيكية , و القارئ في هذه الرواية يرى الأحداث بعيني إيما لذلك فإنه يقع في الأخطاء ذاتها التي وقعت فيها إيما لأن الرؤية المشوشة بالأوهام و الضلالات تمنع العقل من إطلاق الأحكام الصحيحة لذلك فإن القارئ يعذر إيما لأنه يقع في الأخطاء ذاتها لأنه لم يكن يسمح للقارئ بأن يرى أو يسمع أكثر مما تراه و تسمعه بطلة الرواية فما تراه إيما هو مايراه القارئ و ما تسمعه هو مايسمعه القارئ .
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Crime and Punishment – Dostoevsky
الجريمة و العقاب – للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
المؤلف : ولد فيودور دوستويفسكي Fyodor Dostoevsky في العام 1821 في موسكو .
توفيت والدته عندما كان في السادسة عشرة من عمره و بعد ذلك بعامين تعرض والده للقتل وكان لهذه الحادثة تأثير كبير عليه , وفي العام 1849 حكم عليه وعلى مجموعة من رفاقه بالإعدام بتهمة التآمر على نظام الحكم وفي لحظة تنفيذ الحكم صدر أمر بتخفيف العقوبة إلى الآشغال الشاقة , لكن أحد رفاقه قد أصيب بالجنون بتأثير الصدمة .
و كان على فيودور أن يمضي أربعة أعوام من العمل الشاق في سيبيريا مع اللصوص و المجرمين وخلال تلك المدة كان لا يقرأ إلا الكتب المقدس حيث ترسخت في ذهنه فكرة الخلاص عبر المعاناة و الألم .
إن تجربة انتظار الموت التي مر بها دوستويفسكي كان لها أثر عميق في أعماله اللاحقة .
من أشهر أعماله الأدبية :
رسائل من باطن الأرض Notes from Underground ( 1864)
الجريمة و العقاب 1866
المعتوه The Idiot ( 1868)
الممسوس The Possessed (1871)
الأخوة كرمازوف The Brothers Karamazov ( 1880)
) الترجمة الصحيحة لكلمة possessed هي المستحوذ عليه أو المتلبس أي الشخص الذي استحوذت عليه الشياطين و تلبسته فالمس حدث خارجي يقع نتيجة لمس الشياطين للإنسان و احتكاكها به أما التلبس و الاستحواذ فهو أشد خطورة و ينجم عن دخول الشيطان إلى جسد الإنسان ).
الأهمية التاريخية و التوثيقية لرواية الجريمة و العقاب :
عاش دوستويفسكي خلال مرحلة ما قبل الثورة الشيوعية في روسيا و كانت تلك المرحلة مرحلة تردي أخلاقي و اقتصادي و مرحلة فقر و انهيار عام في المجتمع الروسي , صورها دوستويفسكي بكل أمانة .
إن أحداً لم يكن يتوقع بأن هذا الشعب البائس الذي وصل إلى الدرك الأسفل من الفقر و التحلل الأخلاقي و الإنهيار كان على موعد مع واحدة من أهم الثورات التي شهدها العالم .
تقع أحداث هذه الرواية في سان بطرسبرغ St.petersburg في روسيا و بطل هذه الرواية هو الطالب الجامعي الفقير راسكولينكوف الذي كان يفتقد للمال اللازم لإكمال تعليمه .
إنه يعيش في حي عشوائي مكتظ بالسكان وفي كل مرة كان يدخل فيها إلى غرفته كان عليه أن يتجنب صاحبة المنزل حتى لا تطالبه بالإيجار , و يضطر هذا شاب إلى أن يرهن ساعة فضية عند مرابية عجوز حتى يحصل على المال .
وفي الفصل الثاني يلتقي راسكولينكوف مع السكير مارميلادوف الذي كان يسرق المال من زوجته كاترينا إيفانوفا و كان يبيع حاجياتها حتى يشتري الخمر … لقد كان يصف نفسه بالخنزير لأنه باع معطفها في الشتاء الماضي و كانت نتيجة ذلك أن أصبحت زوجته تبصق دماً من شدة البرد الذي أصابها , أما ابنته الكبرى سونيا فكانت تعمل فتاة ليل حتى تؤمن المال لعائلتها .
و عندما يوصل راسكولينكوف السكير مارميلادوف إلى المنزل فإن زوجة هذا الأخير تعتقد بأنه سكير آخر فتطرده من المنزل و أثناء خروجه يترك بعض المال لهم .
ناستاسيا Nastasya التي تعمل لدى صاحبة المنزل تخبر راسكولينكوف بأن صاحبة المنزل بافلوفا Pavlova قد ذهبت إلى قسم الشرطة لتشتكي عليه لأنه لم يدفع الإيجار منذ زمن طويل
كما يتلقى راسكولينكوف رسالة من والدته تعلمه فيها بأن شقيقته دونيا Dounia التي كانت تعمل كمدبرة منزل لدى سفيدريغيلوف Svidrigailov قد طردت من قبل زوجة صاحبة المنزل مارفا بيتروفنا Marfa Petrovna لأن هذه الأخيرة إعتقدت بأن دونيا تحاول الإيقاع بزوجها , مع أن زوجها هو من كان يطارد دونيا و يتحرش بها .
وفي تلك الأثناء يعجب محامي ناجح بدونيا و بالرغم من أن دونيا لم تكن معجبة بذلك المحامي فإنها توافق على الزواج منه على اعتبار أن الزواج من رجل ثري سيحسن من وضع عائلتها المالي , لكن شقيقها راسكولينكوف يرفض هذا الزواج بشدة .
في الفصل الرابع راسكولينكوف يشاهد رجلاً يتبع فتاة في ربيع العمر في الشارع و يشاهد راسكولينكوف شرطياً فيطلب منه أن ينتبه للفتاة لكنه سرعان مايلوم نفسه على تدخله فيما لا يعنيه .
في الفصل الخامس يحلم راسكولينكوف بأنه صبي صغير يمشي مع والده في الريف و أثناء مسيره يشاهد مجموعة من الأشخاص ينهالون بالسياط و الفؤوس على فرس بكل قسوة ووحشية فيسرع إلى تلك الفرس وهو يبكي و يصرخ و بعد أن تموت يطوق عنقها بذراعيه و يقبلها .
إن هذا الحلم يمثل بطريقة رمزية إزدواج شخصية راسكولينكوف فهو في الوقت ذاته القاتل و الباكي فهو ميكولكا Mikolka الذي شارك في قتل الفرس بكل همجية و في الوقت نفسه فإنه الصبي الرقيق الذي بكاها كما يبكي والدته .
وفي الفصل السادس يسمع راسكولينكوف شخصين يتحدثان عن المرابية العجوز اليونا إيفانوفنا Alyona Ivanovna فيفكر في قتلها و في توزيع ثروتها على مئات الفقراء وهو الأمر الذي يحدث فعلياً حيث يقوم بقتل المرابية العجوز كما أنه يقتل شقيقتها بالفأس ثم يهرب مع المسروقات .
لقد كان راسكولينكوف يعتقد بحكم دراسته للقانون أن المجرمين الإعتياديين يقعون في قبضة العدالة لأن توازنهم العقلي يختل بعد ارتكابهم للجريمة و أن هذا الأمر لن يحدث معه لأنه شخص غير اعتيادي كما كان يظن لكنه سرعان ما يفطن إلى أنه قد ارتكب أولى الأخطاء حين لم يغلق الباب الذي تركته المرابية مفتوحاً , و أثناء وجوده في منزل المرابية يسمع وقع خطوات على السلم و بعد ذلك يطرق رجلين الباب وهو مختبئ في منزل المرابية و يخطر له أن يصرخ معلناً عن وجوده حتى ينهي كل ذلك .
لاحقاً يموت السكير مارميلادوف و أثناء احتضاره يلقي نظرة يطلب فيها المغفرة من زوجته ثم يطلب المغفرة من ابنته سونيا و يموت بين ذراعيها , وبعد ذلك راسكولينكوف يعطي كاترينا إيفانوفا زوجة السكير مبلغ 20 روبل .
لقد كان راسكولينكوف يعتقد بأن البشر ينقسمون إلى أشخاص عاديين يجب أن يطيعوا القوانين و أشخاص خارقين يمكن لهم أن يخرقوا القوانين لتحقيق غايات عظيمة و كان بالطبع يعتبر نفسه واحداً من أولئك الخارقين الذي يسمح لهم بخرق القوانين كما كان يعتقد بأن نابليون هو أحد أولئك الخارقين كذلك .
راسكولينكوف يشاهد في الحلم أنه يتبع رجلاً بمعطف طويل و يصعد ورائه السلم ثم يكتشف بعد ذلك أن ذلك الرجل قد قاده إلى شقة المرابية العجوز و هنالك يجد المرابية ما تزال حية فينهال عليها بالفأس مرات متوالية لكنها تنفجر ضاحكة دون أن تتأثر بضرباته و عندما يهم بالهرب يجد الممرات و السلالم مليئة بالناس .
يحاول سفيدريغيلوف صاحب المنزل الذي طردت منه دونيا الاعتذار منها و يرسل لها عشرة آلاف روبل لكن شقيقها راسكولينكوف يرفض ذلك المال بالنيابة عنها و يحدث هذا الأمر بعد موت زوجة سفيدريغيلوف مارفا بيتروفنا.
و في هذه الأثناء يبدأ المحقق بورفيري Porfiry بالشك في راسكولينكوف لكنه لا يوجه إليه اتهاماً مباشراً .
راسكولينكوف يعترف لسونيا أولاً بقتل المرابية العجوز و شقيقتها و بعد ذلك تموت زوجة والد سونيا ( كاترينا إيفانوفا ) ويحاول سفيدريغيلوف أن يجمل صورته بأن يتكفل الإنفاق على إخوة سونيا غير الأشقاء الذين أصبحوا بلا أم ولا أب .
راسكولينكوف يهدد سفيدريغيلوف بالقتل إذا اقترب من شقيقته دونيا , لكن سفيدريغيلوف يدعو دونيا إلى بيته و يخبرها بأنه سمع اعتراف شقيقها لسونيا بأنه قد قتل المرابية العجوز و يهددها بأنه سيبلغ عن شقيقها و عندما يحاول الاقتراب منها تشهر دونيا مسدساً كان معها و تهدده بأنها تعرف بأنه قد دسم السم لزوجته السابقة مارفا بيتروفنا فيخبرها بأنه إن كان قد قام بمثل ذلك الأمر فإن ذلك قد كان من أجلها هي , و بعد هذه الحادثة ينتحر سفيدريغيلوف بالمسدس .
وبعد عام و نصف من ارتكابه للجريمة يعترف راسكولينكوف بجريمته و يحكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أعوام في سيبيريا أما شقيقته دونيا فإنها تتزوج من صديقه رازوميخين Razumihin أما سونيا فإنها تترك مهنتها كفتاة ليل و تعمل في الخياطة و تنتهي الرواية بتلميحات دينية حول بعث لازاراس Lazarus من بين الأموات و كأن اعتراف راسكولينكوف بجريمته قد أدى إلى بعثه من جديد .
إن الشخصية الرئيسية في هذه الرواية هي شخصية راسكولينكوف وهو شاب يعاني من ازدواج الشخصية فأحياناً كان يقوم بأعمال تدل على الحس المرهف و أحياناً كان يقوم بأعمال وحشية لكنه في كل الأحوال كان لايحب التعبير عن عواطفه .
وشخصية راسكولينكوف هي مزيج من شخصيتي سفيدريغيلوف و سونيا , سفيدريغيلوف الذي قتل زوجته بالسم و تسبب في موت أحد الخدم و تحرش بشقيقة راسكولينكوف و اعتدى جنسياً على طفلة بكماء في الثالثة عشرة من عمرها .
و سونيا التي كانت تعاني بصمت و كانت تبيع جسدها لكي تطعم إخوتها الصغار .
إن القارئ يلاحظ منذ البداية اضطراب شخصية راسكولينكوف فهو يترك كل ما بقي معه من مال لعائلة السكير مارميلادوف The Marmeladoves لكنه سرعان ما يندم على فعلته تلك و عندما يجد رجلاً يلاحق فتاة في الشارع يطلب من الشرطي أن ينتبه للفتاة لكنه بعد ذلك يلوم نفسه على تدخله فيمالايعنيه .
إن ردة فعله الأولى هي دائماً ردة فعل إيجابية كما أن تضحيته بكل ما كان معه من مال لعائلة السكير مارميلادوف تشبه تضحية سونيا بشرفها من أجل إخوتها الصغار كما نذكر كذلك خطبته لإبنة صاحبة المنزل لأنها كانت تعاني من أمراض دائمة حيث كانت خطبته لها بدافع العطف و الشفقة.
ومن التصرفات التي تدل على اضطراب شخصيته كذلك رفضه الشديد لخطيب شقيقته ( لوجنLUZHIN ) ثم كيف غير رأيه فجأة عندما قال لها أن تتزوج ممن تشاء .
إن سونيا في هذه الرواية تمثل الجانب السلبي المستكين في شخصية راسكولينكوف فهي تمثل الإنسان الذي ينحدر و ينحدر كلما ساءت ظروفه دون أن يفكر في الشخص أو الأشخاص المسئولين عن سوء أحواله و دون أن يفكر في التمرد على من ظلمه و أوصله إلى تلك الحالة .
لكن سونيا كانت كذلك تمثل بالنسبة له رمزاً لمعاناة البشرية فلا أحد في الدنيا أقل صلاحيةً منها لممارسة مهنة البغاء ومع ذلك فقد ارتضت تلك المهنة المذلة حتى تنفق على عائلتها .
أما سفيدريغيلوف فقد كانت عنده مهمة واحدة في الحياة تتمثل في أن يرضي شهواته الحيوانية فبالنسبة له لا شيء أهم من تلك الشهوات , فقد اعتدى على طفلة بكماء في الثالثة عشرة من عمرها و تسبب في موتها عندما انتحرت شنقاً على إثر تلك الحادثة كما أنه تسبب في موت خادمه بيتيا Pytya و دس السم لزوجته مارفا بيتروفنا حتى يخلو له الجو لملاحقة دونيا و عندما قام بكفالة أبناء السكير الأيتام كان يهدف إلى تلميع صورته المشوهة .
لقد كان المحقق بورفيري يرى بأن روسيا مهيأة لتكون دولةً عظمى تقود العالم و كان يرى بأن راسكولينكوف شخص ذو معدن نبيل لكنه قد أساء لنفسه عندما آمن بأفكار شاذة و هدامة أتت من خارج روسيا و كان يرى بأن هذا الشاب سيصبح ابناً باراً لروسيا عندما يتخلص من تلك الأفكار الشاذة .
لقد كان بإمكان بورفري أن يلقي القبض على راسكولينكوف قبل وقت طويل لكنه تركه لضميره لأنه كان واثقاً من أن الإنسان ذو المعدن النبيل لا يمكن أن يستمر في الخطأ دون أن يصحى ضميره فالأهم من معاقبة المجرم أن تجعله يشعر بالذنب و أنتم تعلمون بأن دوستويفسكي كان يرى بأن تتولى الكنيسة معاقبة المجرمين حتى يشعر أولئك المجرمون بأن الله غاضب عليهم .
لقد ذكرت سابقاً بأن دوستويفسكي قد عرف تجربة إنتظار الموت عندما حكم عليه بالإعدام و أطلق سراحه في آخر لحظة و نحن نجد إشارة لهذه الفكرة في هذه الرواية عندما يتذكر راسكولينكوف أنه قرأ مرةً بأن أحد الأشخاص المحكوم عليهم بالموت قال قبل ساعة من إعدامه بأنه لو خير بين الموت و بين الوقوف على صخرة مرتفعة بالكاد يستطيع الوقوف عليها و من حوله محيط مظلم و عواصف لاختار الوقوف على الصخرة إلى الأبد , و عندما كان راسكولينكوف يفكر بالانتحار كانت تعاوده فكرة الوقوف على الصخرة و تمنعه من الانتحار .
و بالرغم من أن رواية الجريمة و العقاب تعتبر من أهم الروايات النفسية فإن دوستويفسكي كان أديباً و لم يكن عالماً نفسياً لذلك فقد كان يهتم بالنتائج أكثر مما كان يهتم بالدوافع لكن راسكولينكوف في هذه الرواية كان يتجه من الكبر و التعالي الزائف إلى الشعور بأنه إنسان ضعيف مشابه للآخرين كما أنه كان يتجه من الكراهية نحو المحبة ومن الجحود إلى الإيمان ومن الابتعاد عن الناس إلى الاندماج مع الآخرين و الإحساس بهم .
إن فكرة الخلاص عبر المعاناة لا تنطبق على راسكولينكوف و حسب فهنالك الكثير من الشخصيات التي تنطبق عليها هذه الفكرة كما هي حال كاترينا إيفانوفا زوجة السكير مارميلادوف التي قالت بأنها لاتحتاج إلى كاهن ليخلصها من ذنوبها لأن معاناتها الطويلة قد نقتها من الذنوب و ربما السكير مارميلادوف الذي قال لراسكولينكوف ” هل تعتقد بأنني لاأشعر بكل ذلك ؟ بل إنني كلما شربت أكثر كلما ازداد شعوري بذلك ” و عندما يقول لراسكولينكوف ” هل تفهم يا سيدي هل تفهم ماذا يعني ألا يكون لديك مكان لتذهب إليه ؟ ”
إن بيئة هذه الرواية هي بيئة الأحياء العشوائية الفقيرة المكتظة بالسكان حيث يستوطن الفقر و المرض و الجهل .
لقد كان راسكولينكوف يشعر بالاختناق بشكل دائم جراء سكنه في تلك البيئة و قد يكون ذلك الشعور بالاختناق وراء الكثير من تصرفاته الغريبة فتلك الغرفة الضيقة كانت تخنق روحه و عقله .
لقد كان راسكولينكوف يريد أن يعرف ما إذا كان مجرماً عادياً يرتجف و يرتكب الأخطاء بعد ارتكاب الجريمة أم أنه مجرم غير اعتيادي يقتل العشرات و المئات و الآلاف دون أن تهتز شعرة من رأسه , لقد كان يريد أن يعرف فيما إذا كان شبيهاً بنابليون الذي ارتكب مجزرة رهيبة في باريس ثم أرسل جزءاً من جيشه إلى مصر و نسيهم هناك و غامر بحياة مئات الألوف من جنوده في روسيا حيث لقي هناك المصير ذاته الذي لقيه أدولف هتلر لاحقاً حين أصبح الروس من أمامه و الأوربيين من وراءه .
إن رواية الجريمة بالعقاب مليئة بالصور البشعة التي ترينا مدى قبح الإنسان لكن إحدى أشد تلك الصور قبحاً كانت قيام خطيب دونيا السابق لوجين الموظف الحكومي باتهام سونيا ظلماً بالسرقة أثناء جنازة والدها .
الرموز في رواية الجريمة و العقاب :
يرمز الماء في روايات دوستويفسكي إلى البعث و الإحياء حيث يمثل العنصر الذي يهب الحياة
الفرس في الحلم ترمز إلى المرابية العجوز كما ترمز إلى كل ضحايا الرواية من النساء مثل الفتاة البكماء التي اغتصبها سفيدريغيلوف و سونيا وزوجة السكير مارميلادوف و غيرها.
الإخضرار يرمز إلى قوة الحياة .
بعث لازاراس من بين الأموات يرمز إلى بعث راسكولينكوف وولادته الجديدة .

■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■The Adventure of Huckleberry Finn
Mark Twain
مغامرات هاكلبيري فين – للكاتب الأمريكي مارك توين .
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
الاسم الحقيقي للكاتب الأمريكي مارك توين هو سامويل لانغهورن كليمنس Samuel Langhorne Clemens وقد ولد مارك توين في العام 1835 وعندما كان في الرابعة من عمره انتقلت عائلته إلى بلدة هانيبال Hannibal في ميزوري حيث أمضى طفولته و صباه في تلك البلدة , ومما لاشك فيه أن مارك توين قد اعتمد على ذكريات الطفولة في كتابة أعماله الأدبية مثل توم سويار Tom Sawyer و هاكلبيري فين Huckleberry Finn .
و كانت أولى القصص التي كتبها قصة ” الضفدعة القافزة ) Jumping Frog التي كتبها في العام 1865 , أما قصة هاكلبيري فين فقد نشرت بعد قصة توم سويار وذلك في العام 1884 .
إن مارك توين يصور في أعماله الأدبية الريف الأمريكي قبل اندلاع الحرب الأهلية Civil war التي نشبت بين الولايات الجنوبية و بين الولايات الشمالية و كما ذكرت سابقاً فإن مارك توين قد كتب تلك الأعمال بدافع من الحنين لأيام الطفولة الهانئة التي أمضاها في بلدة هانيبال , وقد كان يقول بأن تفكيره في أيام الصبا التي أمضاها هناك كان يشعره و كأنه آدم بعد أن طرد من الفردوس و هذا ما نراه في أعماله الأدبية المختلفة مثل :
الحياة في الميسيسيبي Life on the Mississippi
العصر الذهبي The Gilded Age 1873 التي كتبها مع تشارلز د. وارنر Charles D.Warner .
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
أتت قصة هاكلبيري فين بعد قصة توم سويار لذلك فإن هاكلبيري فين يخبرنا في بداية هذه القصة كيف أنه و توم سويار قد وجدا صندوق المال في الكهف و كيف أن هاكلبيري فين قد وضع تحت وصاية الآنسة واتسون Miss.Watson حيث كان عليه أن يبقى نظيفاً و مرتباً كما كان عليه أن يستمع إلى قصص الكتاب المقدس كقصة موسى Moses , لكن هاكلبيري فين كان متضايقاً من العيش في منزل الآنسة واتسون لذلك فقد كان يفكر في الهرب و العودة إلى حياة التشرد .
وفي هذه القصة يقتصر ظهور توم سويار على البداية و النهاية و يختفي في معظم أجزائها وهو كما نرى في هذه القصة أكثر خياليةً من هاك , ففي الفصل الثالث مثلاً يقوم بتشكيل عصبة من الأولاد ليعملوا كقطاع طرق و يقرر الهجوم على مجموعة من العرب و الإسبان الأثرياء , لكن أولئك العرب و الإسبان الأثرياء لم يكونوا سوى مجموعة من تلاميذ المدارس كانت في نزهة في الغابة .
لقد كان هاك يخشى على المال الذي وجده من والده السكير لذلك فقد وضعه في عهدة القاضي , وكان كل من القاضي و الآنسة واتسون قد حاولا تبني هاك لكن إجراءات التبني كانت غايةً في الصعوبة و التعقيد المعجز لذلك فقد بقي هاك تحت رحمة والده السكير ( فين العجوز ) Old Finn .
و الآن هاك يعيش مع والده السكير في كوخه و يتعرض للضرب المبرح بشكل مستمر … وفي إحدى الليالي يسرف العجوز فين ( والد هاك ) في شرب الخمر فيتخيل بأن ابنه ماهو إلا ملك الموت لذلك فإنه يحاول قتل الصبي , وهنا يقرر الصبي الهرب من كوخ والده إلى جزيرة جاكسون Jackson’s Island , وفي تلك الجزيرة يقابل هاك الزنجي جيم Jim الهارب من عند الآنسة واتسون .
وجيم يصاب بالرعب عند رؤية هاك إعتقاداً منه بأنه شبح بعد أن شاعت الأخبار عن موته .
وبعد أن يستعيد جيم رباطة جأشه يخبر هاك بأنه هرب من عند الآنسة واتسون لأنها كانت تنوي بيعه بمبلغ 800 دولار .
” الآنسة واتسون قالت بأنها لن تبيعني للتاجر الذي سيأخذني إلى أورليانز لكنني لاحظت بأن هنالك نخاس يجوب المنطقة … إنها لا تريد أن تقوم بذلك , لكن بإمكانها أن تحصل على ثمانمئة دولار ثمناً لي وهذا مبلغ كبير لايمكنها مقاومته.”
وهكذا التقى الهاربين على جزيرة واتسون , هاك الهارب من قسوة والده السكير و جيم الهارب من قوانين العبودية الظالمة في بلدة سان بطرسبرغ St.Petersburg .
و يجد الزنجي جيم جثة فين العجوز والد هاك لكنه لايخبره بذلك إلا في نهاية القصة وذلك خشيةًُ على مشاعره , وكان جيم يؤمن بأن رؤية رجل ميت تجلب الشؤم وقد حدث بعد بضعة أيام أن لدغته إحدى الأفاعي .
وبعد شفاء جيم يقرر هاك أن يرتدي ملابس فتاة و أن يزور البلدة ليعرف الأخبار و هناك يقابل إمرأة وهو متنكر في ثياب فتاة و يدعي أن اسمه ( سارة ويليامز ) Sarah Williams و تخبره المرأة بأن فين العجوز كان متهماً بقتل ولده هاك كما تخبره بأن الناس يعتقدون بأن الزنجي الهارب من عند الآنسة واتسون ( أي جيم ) هو من قتل الصبي هاك , كما تخبره بأنها تعتقد بأن الزنجي جيم يختبئ في جزيرة جاكسون , لذلك كان على هاك أن يعود إلى الجزيرة ليحذر جيم , وهكذا يبحر كل من هاك وجيم في قارب في نهر الميسيسيبي باتجاه بلدة القاهرة Cairo الأمريكية وابتداءً من هذه النقطة يستخدم مارك توين أسلوب ( البيكاريسك ) Picaresque (التشرد) في سرد أحداث هذه القصة , وكان عليهما أن يبحرا ليلاً و أن يختبئا نهاراً حتى لايكتشف أمرهما وعندما يصلان إلى سان لويس St.Louis يجدا قارباً بخارياً محطماً على الصخور .
وأثناء تلك الرحلة يحدث هاك جيم عن الملك سليمان King Sollerum – King Solomon
وكيف استطاع أن يكتشف الأم الحقيقية وذلك عندما أتته إمرأتين تدعي كل منهما بأنها والدة الطفل وذلك بأن أحضر سكيناً و أوهمهما بأنه سيقتل الطفل حيث تنازلت الأم الحقيقية عن مطالبتها بالطفل خوفاً عليه , وهنا فإن الزنجي جيم يخبر هاك بسذاجة بأنه كان من الأسهل على الملك سليمان أن يذهب إلى مكان سكن هاتين الإمرأتين و أن يسأل الجيران عن والدة الطفل الحقيقية .
ويتابع الصبي هاك و الزنجي جيم إبحارهما جنوباً باتجاه بلدة القاهرة حيث يلتقي نهر الميسيسيبي مع نهر أوهايو ففي تلك البلدة سيجد جيم الحرية لأن الولايات الجنوبية ألغت العبودية قبل الولايات الشمالية .
جيم يخبر هاك بأنه سيعمل بجد في الجنوب حتى يحصل على المال الكافي ليعتق عائلته من العبودية , و أثناء إبحارهما يتعرض لهما إثنان من صائدي العبيد , لكن هاك يخبرهما بأن أفراد عائلته موجودين في القارب لكنهم مصابين بالجدري لذلك يهرب هذين الرجلين من العدوى بعد أن يتركا بعض المال لهاك .
وكما نلاحظ فإن الزنجي جيم كان يتجنب الاحتكاك مع الغرباء فالصبي الأبيض أقوى من الرجل الأسود في نظر القانون و المجتمع و بذلك كان على هاك أن يحمي الزنجي ويؤمن له غطاءً اجتماعياً و قانونياً كما كان على الزنجي جيم أن يعتني بالصبي في الوقت ذاته .
وفي الفصل السابع عشر يتعرف هاك على عائلة غرانغرفورد Grangerford وهي عائلة كريمة تستضيف هاك حيث يقيم هاك في غرفة الصبي بك Buck وهو صبي في مثل عمره , وكما هي عاة هاك في إخفاء شخصيته فإنه يخبرهم بأن اسمه جورج جاكسون George Jackson .
ونعلم لاحقاً بأن هنالك خلاف قديم بين عائلة غرانغرفورد و عائلة شيفردسون Shepherdson وأن هذا النزاع قديم إلى درجة أن لاأحد يعرف ماهي أسبابه , وبشكل مشابه لأحداث مسرحية روميو و جولييت تهرب صوفيا غرانغرفورد مع هنري شيفردسون لذلك يندلع صراع جديد بين هاتين العائلتين و جراء ذلك الصراع يقتل الصبي بك مع شقيقيه بالرصاص لذلك فإن هاك يتابع هروبه مع جيم بعد أن نجا بحياته من القتل وهنا يتأكد لهاك بأن القارب هو خير مكان للعيش .
في الفصل التاسع عشر يحل ضيفين محتالين على هاك و جيم و كان أحد هذين المحتالين يبيع الأدوية المزيفة بينما كان الثاني منجماً و يدعي أحد هذين المحتالين بأنه دوق بريدج ووتار
Duke of Bridgewater في إنكلترا بينما يدعي الثاني بأنه ابن ملك و ملكة فرنسا , و ينطلي هذا الأمر على جيم و هاك و يقومان بخدمة هذين المحتالين و يتعاملان معهما كما لو كانا بالفعل دوقاً و ملكاً كما يخاطباهما بعبارات الإجلال و الإكبار .
وفي بلدة بوكفيل Pokeville يدعي الملك المحتال أمام الأهالي بأنه قرصان تائب و يحدثهم عن تجربته الإيمانية إلى أن ينفجرون بالبكاء و يجمعوا له 87 دولاراً حتى يقوم بتنصير بقية القراصنة , أما الدوق فيقوم ببيع إعلانات في الجريدة المحلية بأسعار مخفضة للأهالي .
وفي البلدة التالية يقدم هذين المحتالين ما قالا بأنه إحدى مسرحيات شكسبير , لكن تلك المسرحية تلاقي فشلاً ذريعاً لذلك يعلن المحتالين عن عرض جديد ليلي و يضعون على الإعلان ملاحظة خبيثة تنص على منع دخول الأولاد و النساء .
وبعد تأدية عرض مسرحي سخيف يقوم سكان البلدة بطردهما .
تنتاب الزنجي جيم حالة حنين شديدة لبلدته و حالة قلق على عائلته و يدهش الصبي هاك لهذا الأمر حيث يكتشف بأن الزنوج يقلقون كذلك على عائلاتهم و يحنون إلى أوطانهم كالبيض .
وبعد ذلك بعدة أيام يعلم الملك المحتال بموت رجل ثري يدعى بيتر ويلكس Peter Wilks وأن هذا الرجل قد ترك كل ثروته لبنات شقيقاته الثلاث و أخويه الذين يعيشان في إنكلترا , لذلك يتنكر الملك المحتال و يدعي بأنه هارفي ويلكس Harvey Wilks كما يطلب من الدوق أن يمثل دور ويليام William , شقيقه الغبي , ويصل هذين المحتالين إلى منزل ذلك الرجل الميت و بالرغم من تحذيرات طبيب البلدة فإن الفتيات يصدقن هذين المحتالين .
جوانا Joanna تسأل هاك عن إنكلترا لكنه لايعرف كيف يجيبها لأنه لم يزر إنكلترا في حياته , لذلك فإن ماري جين Mary Jane تطلب منها أن تدعه و شأنه , و يتأثر هاك بلطفها لذلك فإنه يقرر أن يمنع هذين المحتالين من سرقة الفتيات و هكذا فإنه يتسلل إلى غرفة الملك المحتال ويأخذ المال و يخبئه في تابوت والد الفتيات .
ولكي يحصل هذين المحتالين على المزيد من المال فإنهما يقرران بيع أملاك الفتيات بحجة أنهما سيأخذان الفتيات معهما إلى إنكلترا وعندما يكتشفان بأن النقود قد سرقت يخبرهم هاك بأن الزنوج قد سرقوها , ثم يخبر الفتيات بحقيقة هذين المحتالين و بأنهما ليسا شقيقي والدهم وأثناء ذلك يصل عمي الفتيات الحقيقيين و يطالبان المحتالين بأن يثبتا بأنهما شقيقي والد الفتيات المتوفي وذلك بأن يصفا الوشم الموجود على صدره , لكن المحتالين يخفقان في الإجابة ولكي يتثبت أهل البلدة من ذلك فإنهما ينبشان القبر وهناك يجدان الذهب الذي أخفاه هاك في التابوت.
وبعد ذلك يتهم كل من هذين المحتالين الآخر بأنه هو من أخفى النقود في التابوت ثم يقومان ببيع الزنجي جيم بمبلغ 40 دولاراً .
وهنا يقرر هاك أن يكتب رسالة للآنسة واتسون يعلمها فيها بمكان جيم لكنه لاحقاً يمزق الرسالة و يقرر مساعدة جيم حتى لو كانت عاقبة ذلك الذهاب إلى جهنم , حيث كان يتم تلقين الأولاد في ذلك العصر بأن مساعدة زنجي على الهرب أو التستر على زنجي هارب هي ذنب كبير يودي بمرتكبه إلى الجحيم .
وبعد أن قام المحتالين ببيع جيم يتم احتجازه في مزرعة عائلة فيلبس The Phelpses وفي تلك الفترة كانت السيدة فيلبس Mrs.Phelps تنتظر مجيء ابن أخيها توم سويار وعندما يأتي هاك تعتقد بأنه ابن شقيقها توم , وهنا يقرر هاك أن يتقمص شخصية توم لكنه كان يخشى من وصول توم بشكل مفاجئ قبل أن يتمكن من شرح المشكلة له مما قد يفسد الأمر , لذلك قرر البحث عنه ليشرح له الموضوع .
ومن الأمور اللافتة في هذا الفصل أن العمة سالي Aunt Sally قد سألت هاك عما إذا كان الإنفجار الذي وقع في المركب البخاري قد تسبب بالأذى لشخص ما فيجيبها هاك بأن أحد الزنوج قد قتل و هنا تجيبه بارتياح بأنهم محظوظون لأن مثل تلك الإنفجارات أحياناً تؤذي الناس وهذا يدلنا على نظرة البيض للزنوج في تلك الفترة حيث لم يكن ينظر إليهم كبشر .
ولحسن الحظ فإن هاك يلقى توم و يخبره بالقصة لذلك فإن توم يخبر عمته بأنه سيد سويار Sid Sawyer شقيق توم و بذلك يتمكن هاك من الاستمرار في انتحال شخصية توم .
ويعلم هاك بأن أهالي القرية قد قرروا معاقبة المحتالين وطردهما من القرية لذلك يحاول الصبي تحذير الملك و الدوق لكنهما يصلان متأخرين حيث يقوم أهالي القرية بطلاء المحتالين بالقار ومن ثم يغطونهم بالريش .
لقد كان هاك صبياً مرهف الحس لذلك فإنه يتأثر لهذا المشهد و يأسف له .
يقترح هاك سرقة مفاتيح الكوخ الذي تم احتجاز جيم فيه لإطلاق سراحه , لكن توم يرفض هذه الفكرة و يقترح أن يقوما بحفر نفق تحت الأرض , وهنا يتبين لنا أن هاك أكثر واقعيةً من توم حيث تختلط الأوهام بالحقائق في ذهنه .
لكن الأمر الذي أصاب هاك بالدهشة كان استعداد توم لمساعدة الزنجي جيم على الهرب لأن هاك كان يرى بأن ذلك كان خطئاً كبيراً .
وتأكيداً لما قلته سابقاً عن غرق توم سويار في الأوهام فإنه يرفض استخدام الرفش ( المجرفة ) في حفر النفق و يقترح استخدام السكاكين و كان يؤكد بأنه سيكون مسروراً لو استغرق ذلك الأمر 37 سنة , وهنا يشير توم سويار إلى رواية الكسندار دوماس Alexander Dumas
كونت دي مونت كريستو Le Comte de Monte Cristo 1845 .
واستمر الصبيين في استخدام السكاكين لعدة ساعات في الحفر دون جدوى لذلك يوافق توم على استخدام المجارف في الحفر شريطة أن يتخيلا بأن تلك المجارف كانت سكاكين .
وكان الزنجي الذي يحضر الطعام لجيم على وشك أن يكتشف الأمر لكن توم أقنعه بأن الحفرة كانت من صنع مشعوذات متنكرات في هيئة كلاب ووعده بأن يصنع شطيرة ليبعد أولئك المشعوذات عن طعام جيم.
ويضع توم حبلاً داخل الشطيرة ليساعد جيم على الهرب و هنا يصر توم على أن ينقش جيم بعض العبارات في زنزانته كما جرت العادة , لكن الخشب لم يكن مناسباً للنقش لذلك حاول الصبيين أن يحضرا حجراً كبيراً إلى الكوخ , كما أرسل توم رسالةً يحذر فيها بأن عصابة ما كانت تخطط لخطف الزنجي جيم لذلك أتى خمسة عشر رجلاً مسلحاً لمواجهة العصابة, وفي منتصف الليل أخرج الصبيين توم من الكوخ عبر النفق و أسرعا باتجاه النهر بينما كانت الطلقات تنهال عليهما لذلك فقد أصيب توم بطلق ناري في ساقه فأحضر له هاك الطبيب .
وفي اليوم التالي تم القبض على جيم و كان أهل القرية يفكرون في شنقه لكنهم لم يقوموا بذلك لئلا يطالبهم مالكه بالتعويض , لذلك أعادوا الزنجي إلى الكوخ ولم يسمحوا بإدخال أي طعام له سوى الماء و الخبز .
توم سويار يخبر عمته بأن الآنسة واتسون قد كتبت وصيةً أعتقت فيها جيم من العبودية و بعد ذلك تصل عمة توم ( بولي ) Polly من بلدة سان بطرسبرغ و تؤكد صحة ما قاله توم بخصوص أن الآنسة واتسون قد أعتقت جيم من العبودية لذلك يطلق سراح جيم و هنا يقوم جيم بإخبار هاك بأن والده قد مات .
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
إن أحداث كلاً من قصتي توم سويار وهاكلبيري فين تجري في بلدة هانيبال Hannibal في ميزوري وهي بلدة تقع على ضفاف نهر الميسيسيبي وهي البلدة التي عاش فيها مارك توين طفولته , لكن مارك توين دعا تلك البلدة باسم بلدة سان بطرسبرغ , ربما حتى لايتصور أحد من سكان البلدة بأنه المعني في تلك القصة .
إن بلدة هانيبال كانت تمثل فردوساً مفقوداً بالنسبة لمارك توين , فقد كانت تمثل عالماً مثالياً كان مارك توين يشعر بالضعف و الحنين تجاهه لأن طفولته موجودة هناك في تلك البلدة و في ذلك العالم وهذا الكلام صحيح بالنسبة لقصة توم سويار أما بالنسبة لقصته اللاحقة هاكلبيري فين فإن هانيبال لم تكن عالماً مثالياً , فقد قرر مارك توين في هذه القصة أن يقول الحقيقة و أن يصور بعض البشاعة الموجودة في الريف الأمريكي دون تجمل و أعني هنا نظام الرق و العبودية , لكن مارك توين لم يكن ينوي أن يجعل من قصته هذه وثيقةً تاريخية تصور بلدة هانيبال كما كانت في العام 1840 بشكل وثائقي دقيق , فهذه القصة هي في نهاية الأمر عمل أدبي فيه الكثير من الخيال .
لكن هنالك الكثير من الحقائق التاريخية التي نجدها في قصة هاكلبيريفين فبلدة سان بطرسبرغ تمثل بلدة هانيبال , كما أن أحداث القصة تقع في العام 1840 حيث كان نظام الرق سائداً في ميزوري قبل إندلاع الحرب الأهلية في العام 1861 , كما أن مارك توين صور لنا كيف كانت تتم معاملة الزنوج كما تعامل البهائم فكان بالإمكان قتل الزنجي دون التعرض لأية مسائلة قانونية مالم يطالب مالكه بالتعويض المالي كما كان من الممكن أن يتم بيع زوجة الزنجي و أولاده إلى شخص آخر أو بيع كل واحد من أولاده إلى مشتري مختلف .
ويتضح لنا من هذه القصة أن مارك توين كان ملماً بلهجة الزنوج , كما أنه كان ملماً بفن الملاحة في الأنهار وهذا يتضح لنا من خلال وصفه الدقيق لحركة القارب في النهر .
إن قصة هاكلبيري فين تتحدث عن هروب شخصين من مجتمع هانيبال وهما الزنجي جيم و الصبي هاك , فالصبي هاك كان يسعى للتحررمن قيود المجتمع ومن والده السكير عديم المسئولية أما الزنجي جيم فكان هارباً من نظام الرق , لذلك فإن هذه القصة تستند إلى الأسس الرومانسية التي ترى تعارض الفرد مع المجتمع وهي الأسس التي أرساها الشعراء الرومانسيين الإنكليز من أمثال وليم بليك ووليم ووردسوورث والتي ترى بأن الطفل هو رمز البراءة و السعادة الحقيقيتين كما تستند إلى أسس فلسفية شبيهة بأسس المفكر الرومانسي الفرنسي جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau حيث نرى بأن سعادة الإنسان في الطبيعة هي أمر مقابل لفساد الإنسان في المجتمع .
لقد كتب مارك توين الفصول الستة عشر الأولى من هذه القصة في صيف العام 1876 ثم أهمل الكاتب هذه القصة بعد ذلك لمدة سبعة أعوام .
وما بين الفصل السابع عشر و الفصل الحادي و الثلاثين استخدم مارك توين أسلوب التشرد و الصعلكة ( البيكاريسك Picaresque ) في سرد أحداث هذه القصة , وقد نشأ أسلوب البيكاريسك في القرن السادس عشر في إسبانيا و هو الأسلوب الذي تم اتباعه في سرد رواية دون كي شوت لسيرفانتس Don Quixote 1615 ‘s Cervantes و رواية رحلات غوليفار للكاتب الإنكليزي جوناثان سويفت’s Gulliver ‘s Travels 1726 Swift .
لقد استخدم مارك توين اللهجة الأمريكية العامية American colloquial في كثير من المواضع وهذا الأمر قد زاد من صعوبة فهم هذه القصة بالشكل الأمثل و خصوصاً بالنسبة لغير الأمريكيين فقد أبدلت الكثير من الأحرف بأحرف أخرى و أضيفت الكثير من الكلمات المختصرة التي يصعب التكهن بمعناها , لكن الروائي ارنست هيمنغوي Ernest Hemingway قال بأن جميع الأعمال الأدبية الأمريكية الحديثة نشأت من كتاب واحد وهو قصة هاكلبيري فين لمارك توين .
لكن علينا أن نحذر من التأثر اللغوي بهذه القصة لأنها لا تتقيد في كثير من المواضع بالقواعد اللغوية المعهودة في اللغة الإنكليزية حيث أن الشخصيات الرئيسية في هذه القصة هي زنجي بسيط و صبي متشرد و كان من غير الممكن أن نتوقع لغةً سليمة من الناحية القواعدية من هاتين الشخصيتين .
إن قصة هاكلبيري فين تتحدث عن محاولة الإنسان الحفاظ على هويته و تفرده و محاولته أن يرفض الواقع في بعض الأحيان عندما يجد أنه الطرف الخاسر في معادلة إجتماعية أو اقتصادية أو سياسية فالمجتمع كان يتوقع من الزنجي جيم أن يرضى بنظام الرق الذي استعبده و استعبد زوجته و أبناؤه كما كان يتوقع من هاك أن يكون ابناً باراً لأب سكير عديم المسئولية .
ومن اللافت أن الصبي هاك كان يضطر إلى تغيير شخصيته في كل مرة كان يقابل فيها أحداً من الناس فالمكان الوحيد الذي كان يمكن لهاك أن يظهر هويته الحقيقية فيه كان القارب و الشخصين الوحيدين الذين كان لا يخشا من كشف شخصيته أمامهما كانا جيم و توم سويار .
إن رواية هاكلبيري فين تروى على لسان الصبي هاك و بذلك فإن القارئ كان يرى الأحداث كما كان هاك يراها .
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
Daisy Miller – Henry James
ديزي ميلر للكاتب الأمريكي هنري جيمس
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
نشرت ديزي ميلر في مجلة كورنهيل The Cornhill Magazine في لندن في العام 1878 وتدور أحداث هذه القصة في أوروبا و تتحدث عن فتاة أمريكية تدعى ديزي أتت حديثاً إلى أوروبا و عن علاقة تلك الفتاة مع الجالية الأمريكية التي تأثرت بالعادات الأوروبية التي كانت سائدة في تلك الفترة .
و تصادق ديزي شاباً أمريكياً من أفراد الجالية الأمريكية في أوروبا وتذهب معه لزيارة قلعة تشيلون The Castle of Chillon وهذا ما يثير غضب عمة ذلك الشاب السيدة كوستيلو Mrs.Costello حيث ترفض لاحقاً مقابلة تلك الفتاة .
لقد كانت السيدة كوستيلو عمة وينتربرن Winterbourne ترى بأن آل ميلر The Millersسوقيون كما كانت ترى بأن السيدة ميلر Mrs.Miller والدة ديزي أم غير مسئولة لأنها سمحت لابنتها بزيارة قلعة تشيلون مع الشاب وينتربرن دون أن تفكر في تأثير ذلك على سمعة ابنتها .
لقد كانت ديزي مهتمة بمرافقها الشاب أكثر مما كانت مهتمة بقلعة تشيلون لذلك فقد وعدته بأن تراه ثانيةً في الشتاء في روما .
وعندما يأتي وينتربرن إلى روما في كانون الثاني لزيارة عمته ولكي يقابل ديزي ميلر فإنه يعلم بأن ديزي قد تسببت في حدوث فضيحة عندما صادقت شاباً إيطالياً وسيماً من الشباب الباحثين عن الثروة يدعى جيوفانيلي Giovanelli .
لقد لاقت ديزي الكثير من الانتقاد من الجالية الأمريكية نتيجة صداقتها وجلوسها في الحدائق العامة مع ذلك الشاب الإيطالي و عندما تأتي ديزي لوداع السيدة ووكرر Mrs.Walker فإن هذه الأخيرة تعرض عنها , أما السيدة كوستيلو Mrs.Costello ( عمة وينتربرن ) فكانت ترى بأن الشاب الإيطالي جيوفانيلي كان يسعى وراء ثروة ديزي كونها ابنة رجل أعمال ثري و أن الدليل السياحي يوجينيو Eugenio الذي عرفهما ببعض كان سيتقاضى عمولة عندما يتزوجان .
وينتربرن يحذر والدة ديزي من أن ابنتها تغامر بسمعتها مع ذلك الشاب الإيطالي , وعندما يراها في المدرج الروماني Colosseum – Coliseum مع الشاب الإيطالي فإنه يحذرها من الإصابة بالملاريا لكنها تجيبه بأنها لا تكترث للحمى و كما توقع وينتربرن Winterbourne فإن ديزي تصاب لاحقاً بالملاريا وقبل أن تموت ترسل رسالة إلى وينتربرن تخبره فيها بأنها غير مخطوبة لجيوفانيلي و تطلب منه أن يذكر دائماً رحلتهما إلى قلعة تشيلون وفي جنازة ديزي يخبره الإيطالي الشاب بأن ديزي كانت فتاةً بريئة .
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
في الفصل الأول يزور فريدريك وينتربرن Frederick Winterbourne عمته التي تقيم في فندق قرب جنيف و فريدريك و ينتربرن هو أحد أفراد الجالية الأمريكية التي تقيم في أوروبا وهو يقيم هناك منذ مدة بعيدة لذلك فقد اكتسب الكثير من التقاليد و العادات الأوروبية و في تلك الأثناء تظهر ديزي مع شقيقها الصغير الذي يبدو في التاسعة من عمره .
يعجب فريدريك و ينتربرن بديزي ميلر لكن العادات هناك كانت تمنع الشاب من الحديث مع فتاة دون سبب , لذلك فإنه يتقرب من شقيق الفتاة الصغير راندولف Randolph حتى يكون صلة الوصل بينهما .
وفي البداية يصاب وينتربرن بالذهول من تصرفات ديزي , كما أن ديزي ترى بأنه يشبه الألمان أكثر مما يشبه الأمريكيين و نعلم من خلال مجريات الفصل الأول أن والد ديزي رجل أعمال ثري يقيم في ولاية نيويورك .
و تتحدث ديزي عن كراهية شقيقها الصغير لأوروبا , كما أنها تتصرف بكل حرية دون أن تعي بأن الأوروبيين كانوا لا يسمحون بالاختلاط بين الرجال و النساء ( في ذلك العصر) وعندما تعبر ديزي عن رغبتها بزيارة قلعة تشيلون Chateau de Chillon لوحدها لأن شقيقها الصغير راندولف ووالدتها كانا لا يرغبان بزيارة القلعة فإن وينتربرن يعرض عليها أن يصحبها إلى هناك.
إن ديزي ووالدتها تتعاملان باحترام مع الدليل السياحي يوجينيو Eugenio وهو أمر غير معهود في المجتمعات الأوروبية الطبقية فالأمريكيين عنصريين لكنهم ليسوا طبقيين أما الأوروبيين فهم عنصريين و طبقيين .
إن قلعة تشيلون The Castle of Chillon هي القلعة التي تحدث عنها الشاعر الإنكليزي الرومانسي اللورد بايرون Byron في قصيدة سجين تشيلون The Prisoner of Chillon .
وفي الفصل الثاني نتعرف على السيدة كوستيلو عمة وينتربرن وهي أرملة أمريكية ثرية عاشت في أوروبا و تأثرت بالعادات و التقاليد الأوروبية و كانت السيدة كوستيلو لا تنظر بارتياح إلى عائلة ميلر لأنهم كانوا يعاملون الدليل السياحي يوجينيو كما لو كان واحداً منهم .
ويدعي و ينتربرن بأن عمته كانت تعاني من الصداع لذلك فإنها لن تتمكن من مقابلة ديزي , لكن ديزي تدرك بأنها لم تعجب العمة كوستيلو.
لقد كان وينتربرن يتوقع أن ترفض والدة ديزي ذهاب ابنتها معه إلى تشيلون , لكنه يصاب بالذهول عندما يرى بأن والدة ديزي لا تكترث لذهاب ابنتها معه بل إنها كانت تفضل أن يذهبا لوحدهما إلى هناك لأنها كانت لا ترغب بزيارة القلعة .
وفي القلعة القديمة تبدي ديزي اهتماماً بالحديث عن حياة مرافقها الشاب يفوق اهتمامها بحديثه عن السجين الشهير الذي سجن منذ قرون في هذه القلعة وهذا السجين هو فرانسوا دي بونيفارد Francois de Bonivard 1495 – 1570 وهو سجين سياسي من جنيف كان قد سجن في قلعة تشيلون وهو السجين الذي تحدث عنه بايرون في قصيدته الشهيرة .
وعندما تعلم السيدة كوستيلو بتلك الرحلة التي قامت بها ديزي مع وينتربرن يتأكد لها بأن نظرتها كانت صائبة .
وفي الفصل الثالث يصل ونتربرن إلى روما و تخبره عمته بأن الشائعات بدأت تحوم حول عائلة ميلر لأنهم يختلطون مع أشخاص أدنى منهم اجتماعياً كما تخبره بأن ديزي تصادق بعض الشباب الإيطاليين المعروفين بلهاثهم وراء المال .
وفي روما تقابل ديزي جيوفانيلي Giovanelli في حديقة عامة وهو الأمر الذي يصدم السيدة ووكر فالفتاة المحترمة برأي السيدة ووكر لا تقابل شاباً في حديقة عامة , كما أن وينتربرن ينبه ديزي إلى أن مصاحبتها للشاب الإيطالي الوسيم جيوفانيلي هو أمر غير لائق وفي تلك الأثناء تتجه السيدة ووكر بعربتها نحو ديزي و تحاول إنقاذ سمعتها بأخذها معها في العربة بحكم أن ديزي أمريكية مثلها , لكن ديزي ترفض الذهاب معها في العربة لذلك فإن السيدة ووكر تأخذ وينتربرن معها في العربة .
ويلاحظ القارئ أن روما كانت مكاناً مشئوماً بالنسبة لعائلة ميلر فقد ساءت سمعة ديزي في تلك المدينة و مرضت والدتها … حتى شقيقها الصغير راندولف كان يبدي كراهيته لروما إلى درجة وصفه فيها وينتربرن بأنه هانيبال الطفل The infant Hannibal و في ذلك إشارة إلى القائد العسكري هانيبال Hannibal الذي أقسم عندما كان طفلاً بأن يحمل في قلبه كراهية أبدية لروما .
الفصل الرابع يتحدث عن الحفل الذي أقامته السيدة ووكر , وقد كانت السيدة ووكر تنتظر مجيء ديزي مع والدتها إلى الحفل و كانت تنوي ألا تتحدث مع ديزي عندما تأتي , لكنها تفاجأ بمجيئ ديزي مع الشاب الإيطالي الوسيم جيوفانيلي .
وفي نهاية الحفل تقترب ديزي لتودع السيدة ووكر , لكن تلك الأخيرة تعرض عنها و تقرر ألا تستقبلها بعد ذلك .
وفي إحدى الليالي يجد وينتربرن ديزي مع الشاب الإيطالي جيوفانيلي وحيدين في المدرج الروماني و هذه المرة يحذر و ينتربرن ديزي من الملاريا لكنها تجيبه بأنها لا تكترث للإصابة بالحمى الرومانية و بعد ذلك تصاب ديزي بالحمى و تموت بعد ذلك .
و في جنازتها يقول جيوفانيلي بأن ديزي كانت أكثر الفتيات براءة و يعترف وينتربرن بعد ذلك بأنه قد أساء الحكم عليها .
إن هنري جيمس يرينا بأن المال ليس كافياً لكي يصبح الشخص مقبولاً في المجتمعات الأوروبية الراقية فهنالك العادات و التقاليد الإجتماعية التي لابد من مراعاتها , فالسيدة كوستيلو ترفض مقابلة ديزي ووالدتها لأنهما يعاملان دليلهما السياحي باحترام و كأنه أحد أفراد العائلة .
إن ديزي ووالدتها تمثلان النظرة الأمريكية التي ترى بأنه ليس مهماً من تكون , لكن المهم الكفاءة و النزاهة و الفائدة الحقيقية العملية التي يقدمها الشخص لمجتمعه و من هنا فإن عائلة ميلر كانت تحكم على الدليل السياحي من خلال كفائته و إخلاصه في تأدية واجباته .
إن شخصية السيدة ميلر ( والدة ديزي ) هي شخصية سلبية في هذا العمل الأدبي فهي لا تستطيع أن تسيطر على ابنها الصغير راندولف و لا تتحدث إلا عن كبدها و عن الدكتور ديفيس
Davis الذي كان يعالجها في الولايات المتحدة .
لقد كانت السيدة كوستيلو تمثل الجالية الأمريكية المتأثرة بالتقاليد الأوروبية في فيفي جنيف , أما السيدة ووكر فقد كانت تمثل الجالية الأمريكية في روما , وقد أساءت السيدة كوستيلو لديزي في جنيف كما أن السيدة ووكر قد أساءت لديزي في روما .
أما وينتربرن الشاب فقد تأثر بنظرة هاتين السيدتين أكثر مما تأثر بديزي و بلغ هذا التأثر أوجه في المدرج الروماني حيث بدأ ينظر إلى ديزي كما كانت بقية الجالية تنظر إليها .
وقد كانت نهاية هذه القصة نهاية حزينة حيث انتهت بموت بطلتها بعد أن كتبت رسالة إلى وينتربرن تطلب منه فيها أن يذكر رحلتهما سوياً إلى قلعة تشيلون .
■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■
تم بعونه تعالى
ترجمة عمار شرقية